لحُسن حظي قرأت رواية الغريب عندما كنت في الرابعة عشر من عمري و حتى هذه الليلة قرأتها ثلاث مرات وفي كل مره عقلي يستوعب فكرة ومغزى الرواية بصورة أعمق، لكن الإبداع يكمن في انني لم أجد صعوبه في قرآتها في هذا السن ربما لم اصل لعمق الفكره لكني استمتعت بها ووجدتها خلقت في عقلي بعض التساؤلات ، هذه الروايه الفائزة بجائزة نوبل للآداب تبدأ بجملة غريبه وعاديه ومليئة بالمشاعر التي تجعلك تستغرب بما سيأتي في باقي الروايه
ماتت أمي اليوم . وربما أمس ، لا أدري ! “هكذا ابتدأت تلك الرواية القليلة الأوراق، بسيطة وسهلة السرد ، ذات العمق الفلسفي “الغريب” ، وربما هذه البداية الغريبه تنهل علينا مدى لامبالاة وعبثية هذه الشخصيه، فكل الجزء الاول المختص بحادثة وفاة والدته لم يتطرق كثيراً عن مشاعره او اظهر حزنه وتأثره بما أصابه، فجميع الاحداث اخذها بنفس التروي وعدم الانفعال والسطحية فأشعرنا بمدى انزعاجه من حرارة الشمس ،ومدى انزعاجه من بكاء صديقة والدته المزعج ، و رده لصديقته ماري ورئيسه أن وفاة امه ليس خطئه ،لكن لم نشعر بأي مشاعر عميقه وقوية فكان كل رأيه أنه “امر لابد من حدوثه يوما ما” فأمر الغريب ليس انه لا يحب امه او لا يعي لأمرها إنما هو واقعي وليس من النوع الذي ينجرف بمشاعره .
وبعيدا عن ميرسول”الغريب” فهناك قصه جاره العجوز وكلبه هما الاثنان منذ ثمان أعوام لا يفترقا علاقتهما مليئة بسباب وانزعاج العجوز وزمجرت الكلب لكن في اليوم الذي فقد العجوز الكلب بدا عليه كل الاضطراب والتوتر فهم أصبحا كائن واحد وبغض النظر عن سوء تعامل العجوز مع الكلب وجد نفسه باكياً عند فقدانه فهو تعود على هذه العلاقه وما اغلب العلاقات غير التعود، تتوالى الاحداث فنعرف شخصية ميرسول أكثر فهو شخص ذو حياة رتيبه لا يحاول أن يقحم نفسه في شئون الآخرين ولا يأخذ انطباع أو فكره عن أحد بدون التعامل معه فهو شخصيه صريحة بعيدة عن المشاكل ، وربما البعض يراه بلا مشاعر فمثلا إجابته “هذا امر لا يهم” عندما سألته ماري عما اذا كان يحبها او يريد الزواج بها، وفي رأيي هذه اجابة تنم عن بعض اللامبالاة ولكن على الأقل لا يوهم أحد بغير الحقيقة.
تتسارع الاحداث بعدما قَبِل ميرسول دعوة صديقه لقضاء يوم على البلاج فتعاقبت من السباحه لملاحقة الشبان العرب أعداء صديقه حتى وجد نفسه يطلق خمس طلقات من المسدس على الشاب العربي وتبدأ إجراءات القضاء وكل ما ذكرناه من شخصية الغريب وردة فعله اتجاه الامور سوف ينعكس سلبا على موقفه القضائي في القضيه فهو الان قاتل لا يشعر بالذنب وليس لديه اجابة لماذا لم يظهر عليه التأثر عند وفاة والدته والأكثر غرابة بالنسبة له انه وحد القضاء مهتمه بشخصيته اكثر من جريمة القتل فهي تثير الشكوك وبرغم ذلك لم يكن يشعر بمدى خطورة الوضع على حياته ومازال يضع جل اهتمامه على التفاصيل والماديات من حوله ،ثم يدخل السجن ويجد نفسه ممنوع من اشياء كثيره بدافع العقاب لكنه تقبل الأمر كعادته وتعود وكما يقول دوستويفسكي ” ان الانسان يعتاد كل شيء يا له من حقير ”
كان موقف ميرسول نفسه اللامبالي بعدما تم نطق حكم إعدامه فهناك مشاعر كثيره و ردات فعل اقل الا تعامله الاخير مع الكاهن وإفراغ كل ما بداخله من احاديث ومشاعر عبر ضربه والصراخ عليه ، تم الكتاب والغريب بنفس غرابته ، ويجب ذكر ان اسلوب سرد الكتاب البسيط السهل هو الذي سهّل وصول الفكره فلو كان البير كامو استعمل مفردات اصعب وأعمق لكان من الصعب على الناس ادراك العمق الفلسفي الذي بداخله.