سمراويت

رواية تمت إضافتها في قائمة الروايات الحديثه التي راقت لي ، فلست ممن تستهويه أي رواية بسهولة ، هي رواية سمراويت للروائي الارتري حجّي جابر الفائزة بجائزة الشارقة للأبداع العربي ٢٠١٢، طرأ اسمها على مسامعي عدة مرات وفي احدى المرات كنا نتناقش انا وبعض الزملاء فوجدت احدهم يقول انها رواية ممتازه لكنها لا تستحق كل هذه الأصداء فهي تحكي عن إرتريا وتُعرّف عنها اكثر من أي شيء آخر، اشتريت الروايه وانا خاليه من أي توقعات اتجاهها أردت ان اتفاجئ بما تحمله طياتها، لغتها سليمة خفيفة الظل تُصاحبها فكره عميقه وقصة غرام لطيفه تنتهي وتبدأ بصورةٍ ما ،لكني لم أهيم برومنسيته حقيقةً لكن خلافا عن ذلك وقعت في غرام أبيات شعر الشاعر الارتري محمد الشيخ (مدني) و الشاعر الارتري محمد الثبيتي في مقدمة الصفحات.

12969302_10201437269251127_909941935_n

وجدت أن كلام زميلي صحيح بأنها تحكي عن ارتريا اكثر وأنها محور كبير في صلب الروايه لكن الذي لم ينتبه له ولم ينوه عنه أن الشخصيه ذاتها لا تعلم الكثير عن ارتريا “عمر”، الشخصيه الرئيسيه ارتري الجنسيه سعودي الولاده والمنشأ أو كما يُطلق مقيمين أجانب، عمر يقرر السفر الى ارتريا وهو في العقد الثالث من عمره ذاهب ليبحث عن وطن آمل أن يتقبله ويحتضن مشاعره ذاهب ليتعرف عن وطن ويضع صورة واضحه له بعيدا عن شوائب السياسية وغيرها ، من غير أي انحياز لجهه محدده في الدوله.

الروايه اثناء رحلته في ارتريا وحياته في السعوديه المليئة بالأفراح والأتراح، بالذكريات والحكايات، ربما ارتبطتُ بالروايه قليلا لأنني واكبت كل ما حدث معه في السعوديه حتى وان كان ليس معي شخصيا ولكن كلها احداث عرِفها أي شخص عاش وتربى في السعوديه من غير جنسها بين اعتبارها وطن وإيجاد عوامل كثيره تمنع من حصول ذلك ، بين عنصريه البعض و حب وتعاون الآخر، بين الوجه المتدين المتطرف والوجه الذي يحاول البحث عن الحرية والانفتاح خلسةً في العتمة بعيدا عن الاضواء، هيا رواية بحث عن الذات من خلال إيجاد الوطن أكثر من أي شيء. أن تنشأ كمغترب في بلد وأن تعلم ان بلدك تعاني من اضطرابات كثيره ليست كمن يسافر كل عام الى بلده او جاء وهو يعلم ان العودة قريبة او شيءٍ من هذا القبيل إنما نتشأ هنا وتبقى هنا وما زال هناك شعور بالغربه ولكن غربه لمن وانت لا تعرف الوطن بصوره واضحه وتملك عنه رؤية خالصه، تمر الاحداث بين هنا وهناك بين شوارع ومدن ارتريا وبين احياء وأزقة جده بين حكايات جده وحبها وكرها، و بين عدم معرفة غيرها، بين الوطن الموجود كصورة في مخيلته و خلجات روحه .

ولكن ما علاقة اسم الروايه بكل هذا ؟ سمراويت هو اسم شخصيه يغرم بها عمر ، يتعرف عليها بمحض الصدفة كمحض صدفة تعرّفه على اسمرا، مغتربه مثله وتغرم به أيضا ، سمراويت كانت هيا الوطن و الملجأ، تنتهي الرواية بضجيج الحب والوطن والبحث، و ربما انكسار هذا وذاك لا أعرف ربما عليكم قراءتها لمعرفة ذلك .

هل ينصت أحد ؟

شعور العزله والانغلاق الذي يصيبك بعد عدة مرات من الحوارات التي حالت دون استماع، ذاك الشعور أن لا أحد يشعر بك او يفهم ما تريد إيصاله! ،أن مشاعرك لابد أن تتحرر لكنك لا تجد مستمع جيد،لا تقلق فأنت ليس الوحيد في هذا العالم !، يقال أن نصف الكره الأرضيه تشتكي من أن النصف الآخر لا يستمع وإذا سألنا النصف الآخر سوف نجد نفس الإجابة ،وأن تكون مستمع جيد لا يعني ذلك أنه يجب عليك إسداء نصائح او حتى الرد، أحيانا يكون السكوت اجابة كافيه اذا كانت جميع حواسك مع الطرف الآخر تشاركه الشعور وتجعله يحس بالاطمئنان.

12910889_10201414321317443_1109135614_n

المشكلة تكمن في جوانب كثيره من احاديثنا، طريقة تلّقينا للحديث ، قلة معرفتنا بأهمية الاستماع وكيفيته، فنحن في الحقيقة نسمع ونفهم ما نريد من احاديث الناس، على الاقل يجب الاعتراف بذلك و أننا نعري الاهتمام ونستمع بشغف فقط عندما يهمنا الأمر. و من مظاهر عدم الاستماع أن أغلب مشاكل الازواج بسبب أن كل طرف من العلاقه لا يستمع ويأخذ موقف عدائي في الإجابة فتجد الزوجة مثلا تقول يجب عليك اللعب مع ابننا أكثر وكل ما يفهمه الزوج أنها تقول له انك لست اب جيد، هي أخطئت في الأسلوب لأن دائما الجمل التي تبدأ ب يجب تحول الى عدم الاستماع وفهمها بطريقه عدائية مُحبِطه وهو أخطأ عندما أخذ موقف دفاعي في رده ، مؤكد في يوم من الايام أطريت ومدحت احد بالذات اذا كان قريب منك او شريك حياتك في شيء ووجدت انه انزعج او شعر انك تسخر منه فمثلا عندما تمدح قوام امرأة وهي تشعر في قرارة نفسها انها يجب عليها خسارة بعض الوزن في الأغلب لن تفهم المديح بصورته الصحيحه الكاملة فنظرتنا لأنفسنا أكثر أهمية وتأثيرا من نظرة الناس إلينا لكن ما لم ننتبه إليه ان نظرتنا لأنفسنا تتأثر حقا بما يبدونه الناس إلينا ويشعرونا به الأمر يبدأ صغيرا الى أن ينحرف في العقل الباطن ، أو عندما تحكي لصديق عن انك مازلت متردد في اختيار التخصص الجامعي و سوف تغير اختيارك الاخير أيضا فتكون الأجابه افعل ما يحلو لك أو أنا قلت لك رأيي في هذا الشأن وارى أن ذاك التخصص أنسب لك، لكنه لم يفهم أنك عندما اتيت له كان كل ما تريده أن تفصح عن مدى سوء شعور التشتت فأنت بالكاد تعلم أن الخيار بيدك ولا تحتاج احد لقول ذلك .

ناهيك أيضا عن اسلوب و ” وأنا أيضا” فيأتي الشخص يحكي عن معاناته مع المرض او مشاكله الأسريه أو أي حدث وشعور فتجد المستمع قبيل حتى أن تنتهي من حديثك يبدأ ب أنا أيضا ويتحول الحديث عنه ، ربما نيته صافيه ويريد أن يشعرك أنك لست الوحيد الذي يحصل معه هذا الشيء او حتى مجرد انجراف حماسي مع الحديث، لكنه لم ينتبه أن الحديث ليس عنه وأن تصغير معاناة شخص حتى يشعر بشعور أفضل لن يصغّر او يقلل حقا من مدى حجم الأمر

12910756_10201402566384048_1978195434_n-1.

فقدان الاستماع يؤدي الى كبت المشاعر وقلة الحديث عن المشاكل التي تواجهنا، الاحزان والاسى وحتى مشاعر الفرح ، يحولنا الى أشخاص غير قادرين على البوح، مشككين بصدق مشاعر اهتمام الناس إتجاهنا ، محبطين نحاول عزل دواخلنا، فلا ننسى ان عندما نحاط بأُناس يعيون بما يختلج في صدورنا ويفهموا ذاتنا ويستمعو لنا نحس بالتقدير ونكون مقبلين على الحياة

جزء من أفكار كتاب “

هل تنصت حقا ؟ – ماري أي . سيجيل / بول جيه . دونوجي .

Are You Really Listening? by Mary E. Siegel and Paul J. Donoghue”