اعتصام القيادة يجسّد قوة العمل التطوعي

 

تحت أشعة شمس الخرطوم الحارقة وزوايا شوارعها التي ضخت فيها الحياة بغتةً، يمر شريط حياة خالة عوضية كوكو في اعتصام القيادة العامة للقوات المسحلة السودانية في الخرطوم بكل تفاصيله، كيف هربت من جنوب كردفان الممزقة بالصراعات إلى الخرطوم في ستينيات القرن، وكيف بدأت عقب زواجها  .رحلة امتهان بيع الشاي الصعبة من منتصف الثمانينات إلى يومنا الحالي. لكن تتذكر خلال سرد حكايتها أيضاً جموع بائعات الشاي والنساء عامةً التي ناضلت من أجل تحسين أوضاعهن وحقوقهن في الحصول على حياة كريمة، فتجدها تشير بكل بساطة إلى نيلها “جائزة المرأة الشجاعة” من وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري في واشنطن مارس/آذار 2016. وتقول ساخرة “مشيت البيت الأبيض والبشير ما شافو بعينو”. وكيف عادت إلى السودان مرةٍ أخرى لإكمال مسيرتها من بيتها المكوّن من صفائح واتهام النظام الحاكم عليها بالتجسس. نجد أن عوضية كوكو تسرد أحداث رحلة حياتها وهي تقلي عجين اللقيمات في الزيت وتعد الشاي في شارع القيادة مجانًا لغفير المعتصمين الثوار، مجسدين بذلك ملايين الحكايات التطوّعية كعوضية كوكو وأكثر.

كُرّست الجهود المجتمعية والتطوعية للمواطنين السودانيين التي تجّذرت في الثقافة السودانية من أجل صمود الاعتصام، أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الذي ما يزال مستمراً منذ السادس من أبريل/ نيسان الحالي، تأكيدًا على الاحتجاجات والمظاهرات التي أشعلت شرارتها منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي لإسقاط نظام عمر البشير.

شهدت الساحة السياسية السودانية تغييًرا كبيرًا، فبعد نجاح الحشد المليوني الذي دعا إليه تجمع المهنيين السودانيين على غير عادة، تحقق مطلب الثورة الأول بسقوط البشير، ونجح الثوار في إسقاط وزير الدفاع عوض بن عوف الذي تنحى عنرئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد يوم من توليه المنصب. ومازال اعتصام القيادة العامة قائم إلى الآن بالرُغم من محاولات فضه. ومازال السودانيون معتصمين إلى أن يتم تحقق مطالب الشعب بإسقاط المجلس العسكري الإنتقالي وتسليم الحكم إلى سلطة مدنية انتقالية.

image

وعملت الجهود المجتمعية والمبادرات التطوعية على دعم الحراك الثوري في السودان واستمراريته. كما أكد الباحث في جغرافيا ومجتمع السودان  د/ جمعة كندة، “إن الاعتصام فعل سياسي ذو أهداف سياسية شعبية بالدرجة الأولى”، وأضاف “وتم استخدام ثقافة التضامن الاجتماعي والتطوع المتجذرة فى الثقافة السودانية فى تحقيق أهداف الثورة”.

 

 كما نرى ذلك جلّيًا في مقطع الفيديو من اعتصام القيادة العامة

مظاهر التطوع في القيادة العامة عديدة ومتنوعة، فبمجرد بدء الاعتصام تشكّلت لجان تطوعية خدّميه من أجل ضمان استمرار الاعتصام والوصول إلى أهدافه، مثل لجنة التفتيش والتي تتواجد في كل المداخل للحفاظ على أمن ميدان الاعتصام، فيما يتطوع الكثير من الأفراد، والمؤسسات، والمبادرات التطوعية بتأمين ماء الشرب ومختلف أنواع الأطعمة. ولم يخل الاعتصام بالتأكيد من نقاط العيادات ونقاط الطوارئ لعلاج المعتصمين، حيث يتطوع عدد كبير من الأطباء بصورة مستمرة، فيقول الطبيب أنس الإمام “بالكاد تتكرر وجوه الأطباء في العيادة الواحدة لأكثر من يوم” وأضاف ” حالات المصابين أثناء الاعتصام تعتبر أساسية وبسيطة إلى حد ما، مقارنة بأنواع الإصابات سابقًا طوال الأربعة أشهر الماضية، نظرًا لاختلاف أساليب قمع المتظاهرين، ويتم تحويل الحالات الخطيرة إلى المستشفيات المجاورة فوراً”

:وإذا تم التساؤل عن خلفيات وأعمار مختلف المتطوعين ففي المقطع الصوتي سوف نجدها متفاوتة ومتنوعة

لم تقتصر مظاهر التطوع في الاعتصام على اللَجان الخدمية فقط، بل امتاز بتعزيز الجانب الترفيهي والثقافي بوجود مسرح و شاشات كبرى للهتاف والندوات والعروض الموسيقية مثل حفل الفنان أبو عركي البخيت رغم ابتعاده الطويل عن الساحة الفنية، وبث المباريات العالمية والأفلام المستقلة مثل فيلم “سجن الكجر” للمخرج السوداني محمد كردفاني الذي تدور أحداثه حول الصراع النفسي الذي يعيش فيه ضابط الأمن السوداني. بالإضافة إلى أركان النقاش المختلفة السياسية والتوعوية ومكتبة الكتب، وازدهار المشهد الفني من خلال الجداريات التي زينت جدران المباني حول ميدان الاعتصام وفي شوارع السودان بشكل عام

أشكال تكاتف الشعب السوداني كثيرة، بدايةً من حركات النفير عند سيول موسم الخريف ومساعدة المتضررين، إلى ثقافة “دق الشير” أي جمع التبرعات لعمل معين، وفضلًا عن عمل مختلف الجمعيات والمبادرات الخيرية التي تعمل على تغطية حقوق المواطن الأساسية كالماء والكهرباء، التعليم والصحة، والمأكل والملبس. ولفت مؤسس منظمة “مجددون السودان” فارس النور إلى “إن العمل التطوعي في السودان كان من الأسباب التي ساعدت النظام بطريقة غير مباشرة في الاستمرار في الحكم لمدى تغطيتها جوانب أساسية عديدة في حياة الإنسان”

 

أصوات وكراكيب..

يبدو أن كتابة اليوميات كل يوم مسؤولية يجب عدم الإخلال بها، ولكن للأسف تم الإخلال بها من الْيوم الثاني مباشرةً لول، على ما أعتقد المشكله تكمن في أنني أفكر في أحداث يومي واسرد كل التفاصيل في عقلي قائلة أنني سوف أباشر الكتابة بعد قليل، ويبدو أن هذا القليل يمتد الى ما لانهاية. عموما ها أنا أكتب أخيرًا ولذلك تدوينة الليلة هي للأمس واليوم.

لابد أن أذكر أن حديثي الْيوم برعاية برنامج أصوات تقديم ياسر حارب على قناة MBC والأهم أن عزيزي حسام هلالي أحد أعضاء فريق كتابة البرنامج. بما أن الحديث قادنا إلى حسام هلالي وأستاذ ياسر حارب، ففي الْيوم الذي زرت فيه شركة جينوميديا للإنتاج الفني لتسجيل مقابلة مع حسام هلالي عن دور الفن في المجتمعات، قابلت ياسر حارب حيث كان يعتقد أنني أخت حسام مشيرًا إلى صورة لنا سوّيا على فيسبوك.فتجاذبنا أطراف الحديث بصورة سريعة والمضحك أنني بعدما عدت إلى المنزل استوعبت أنني فقط للتو تحدثت مع ياسر حارب كاتب بيكاسو وستاربكس الذي قرأته قبل عدة أعوام وأتابعه على تويتر ولَم يخطر ببالي ذلك أبدًا.

الآن دعنا نعود لبرنامج أصوات فهو برنامج مدة حلقاته لا تتعدى الربع ساعة، لكنّه للآن كما شاهدت يحمل كمًّا مُركَّز من المعلومات تجهزّك لكمّا أكبر من التساؤلات. عنوان الحلقة الأولى كان “الحياة العادية” حيث تتحدث عن رغبتنا في الحصول على حياة استثنائية وأن نصبح استثنائيين، أيضا مدى سعادة الأشخاص الذين يضعون جُل اهتمامهم ومجهودهم لذلك وطرح كثير من الأمثلة التي تشير على أن حقيقة السعادة في اللحظات والتفاصيل الصغيره وحتى في الأهداف قصيرة المدى.

ذلك جعلني أتذكر إجابتي على أخي عندما سألني بعد عدة أشهر من بدأ دراستي في كلية محمد بن راشد للإعلام “وماذا الآن يا رزان، ايش الهدف الجديد؟ مش شايفينك بتعملي حاجه” ويقصد بسؤاله هذا أنني لا أنجز الكثير بخصوص الإعلام حيث أنني أمضيت أكثر من عام فقط أجهز نفسي للقبول في الكلية كهدف أكبر، ولا أنكر شعوري بالخواء بعد أن حققت الهدف وبنفس الصيغة سألت نفسي وماذا الآن؟ وكأن لابد أن اخلق لنفسي هدف جديد ليس من السهل الوصول إليه يجعلني أضع جُل تفكيري وتركيزي فيه دون عيش جوهر اللحظات. لكن كانت إجابتي أنني فقط أعيش ما حققته مع بعض الأهداف الجانبية.

الحلقة الثانية من أصوات كانت بعنوان “لماذا نتعلق بالأشياء” تطرح وتجاوب أفكار عدة بخصوص التعلق سواء التعلق بالأشخاص والعلاقات، التعلق بالأراء والأفكار، أو حتى التعلق بالأشياء والماديات وبصرف النظر أنه من المؤكد أنني سوف أكتب عن التعلق والتمسك بالأراء والأفكار في وقتٍ آخر .

جاءت الحلقة في وقت مناسب جدا وذلك لأن الْيوم انتقلت إلى غُرفةٍ ثانية في السكن الجامعي ومع إنه لم يمر أكثر من ٩ أشهر على وجودي هنا فأثناء نقلي للأشياء وترتيبها وجدت أنني أُكوّم أشياء كثيرة لم أستخدمها قط منذ أن خزنتها، وأن أشياء كثيرة تأخذ حيّز فقط دون أي جدوى علمًا أن هذا فقط في ٩ أشهر .

هذا يعيدني أيضا لكّم الأشياء التي تم رميها عندما قررنا الانتقال إلى السودان والكم الأكبر من الأشياء التي تم شحنها ولَم تفتح أو نحتاج إليها حتى الآن.

بالطبع لا ننسى أن نقيس تعلّقنا بكل الكراكيب بغض الطرف عن ماهية هذه الكراكيب سواء كانت كراكيب فكرية، بشرية، أو كراكيب بمعناها الحقيقي ههه.

وبما أني تحدثت عن الغرفة الجديدة فالآن اتشاركها مع فتاة مصرية تبدو لطيفة والمختلف والأكثر أهمية أنني الآن سوف أعيش مع شخصية أفهم لغتها وتفهم لغتي، نتشارك الثقافه، واللغة، والخلفية إلى حد ما، وإن دل ذلك على شيء فسوف يكون أنه شيءمثير للأُلفة والريبة حقيقةً.

صباح المطر المُطهِّر..

الأثنين الثامنة صباحًا الموافق السادس عشر من شهر مايو عام ٢٠١٨، أول يوم أبدأ فيه تدوين يومياتي كمهمة من مهام مادة ثقافة الإعلام والمجتمع. في الحقيقة أشكر بروفيسور موسى على هذه المهمه وهذا لأن لي عامين من التقاعس المستمر والمماطلة في شأن كتابة يومياتي أو حتى بعض المذكّرات في المناسبات، فالرغبة في عمل ذلك تراودني منذ زمن ليس بقريب إلا أنني أدوّنها كأحد أهدافي الرئيسيّة كل عام منذ أن اشآدت بها الروائية ليلى أبو العلا في أول ورشة عمل أشارك بها للكتابة الإبداعية. فكما كانت تقول: كتابة اليوميات والمذّكرات وسيلة فعّالة جدا لتحسين الكتابة، واستمراريتها، والبعد من الوقوع في شر الكتابة المتقطعة، والبطيئة والمخيّلة الجافة.

إن السبب وراء استيقاظي مبكّرا هو أنني أريد القيام ببعض البحث عن موضوع ادمان وسائل مواقع التواصل الإجتماعي ويجب أن أنوّه أن هذا حدث بعد مضيّ ساعةٍ على استيقاظي وفتح عيّني متنقّلة بين التطبيقات مطبّقه المعنى الفعلي للإدمان ههه.

الْيوم هو الْيوم المتمم لشهر شعبان من عام ١٤٣٩ هجريًا ممّ يعني أن غدًا الخميس أول أيام شهرِ رمضان، والمختلف في ذلك هو أنه أول رمضان في دبي وأيضا هو أول رمضان لي بمفردي، بمفردي تمًاما ولا أدري حقيقةً ما شعوري اتجاه ذلك، فعندما قال لي أحد أصدقائي تمنّيتُ أن تكوني في السودان في رمضان أجبته أنني عندما تذكّرت رمضان الماضي وأجواءه تذكرت رمضان في السعودية بكل تفاصيلة،منزلنا، جارتنا سوسن وبناتها والكثير من الأشياء الأخرى. فتوقفت لحظة وانتبهت أن رمضان الماضي في الحقيقة كان أول رمضانٍ في السودان بعد انتقالنا للعيش هناك وبالرغم من كل التفاصيل اللطيفه مع أسرتي وصديقاتي التي يمكن أن أسردها لكم عنه فإنني لم أشعر بالحنين إليه بنفس الطريقة والمستوى والمؤسف في كل هذا أنني أشعر بالحنين الى مكان لم أعد أنتمي إليه ولَم أنتمي إليه يومًا أو بصيغةٍ أخرى أنا أشعر بحنين اتجاه وطنٍ غير موجود وهذا لا يعني أنه غير موجود فعلّيا ولكن ليس لي حق أن أشعر بما أشعر ولا أنا أريد ذلك أيضا.

والآن دعكم من هذا الحديث لأن بعضًا من قطرات المطر تتساقط على شاشة هاتفي. يبدو أن هذه بركاتُ الرب تُبشّر بقدوم رمضان مذكرًا الناس بأن يتطهروا لملاقاته.

سلامًا على روح ريم ..

السبت الموافق الرابع والعشرين من شهر مارس عام ٢٠١٨ استيقظت في الحادية عشر صباحًا وكعادتي بدأت بتصفح وسائل التواصل الأجتماعي وكل ما سقطت عيني عليه هو الكثير من صور ريم بنا، سلسلة مقاطع “خاطرة في القاطرة” وآخر منشورات لها على صفحتها في الفيسبوك، ريم بنا غادرتنا، رحلت قوية كارهه للحزن والأسى.

ريم بنا التي حاربت السرطان وظلت تحاربة حتى أننا ظننا أنها في الأغلب سوف تموت من أي سبب في الحياة إلا هو .

كلما أفكر في قصتها مع المرض أتذكر قولها، “أنا مصابة بالسرطان ولن أدعه يتمكن مني”،”انت تعانين من السرطان؟ لا السرطان من يعاني مني ” في الحقيقة بكل لحظات المرض والقوة الخاره الشيء الوحيد الذي نعلمه أنها لم تدعه يتمكّن منها.

عندما قرأت الخبر تذكرت المرة الأولى التي سمعت فيها أغانيها ، تلك المرة التي جاء فيها أخي أمجد من القاهرة إلى الرياض بعد أعوام من بدئه دراسته الجامعية وهو يسمعنا أغانيها على موبايله النوكيا في سرير أمي، أنا وهو ولينا قائلًا ( تعالو أسمعكوا أغاني حلوة بتاعت وحده فلسطينية اسمها ريم بنا) ومن يومها وهي تعتبر أحد اول الفانون الحقيقيون اللائي أُفضّلهم.

ولا أنسى خبر اصابتها بالسرطان منذ تسع أعوام والكثير من معجبيها اللائي حلقن رؤوسهن معها مثل صديقة ابنة خالتي نجوى حرب ومدى شعوري بجرأة ما فعلته. وعندما انتكست مرة أخرى ثم بعد ذلك عندما فقدت صوتها وتوقفت عن الغناء عام ٢٠١٦ وشعور الصدمة والحزن الذي انتاب الجميع فوجدناها عادت قوية ومتألقه في خاطره في القاطرة بكل روح التفاؤل وبحسب كلامها “تفاؤل بوسع المدى” .

في ظل كل هذه السنين ريم بنا ظلّت دائماً صوتًا للمقاومة ، مقاومة الأحتلال، مقاومة المرض، ومقاومة المعتاد والعادي بجمال صوتها،ولغة كتابتها، قوتها وروحها السامية.ومثل آخر ما كتبته “هذه الحياة جميلة والموت كالتاريخ .. فصل مزّيف” .

سلاًما ورحمةً على روح ريم.

لماذا سابع جار ..

بدأت متابعة مسلسل سابع جار الفترة الماضية بالرغم من أن علاقتي بالمسلسلات العربية في الآونة الأخيرة باءت تقتصر على مسلسل أو اثنان في رمضان، وهذا بلا شك لأن رمضان موسم مارثون المسلسلات العربية الأكبر لكن هذا ليس صلب موضوع حديثنا.

سابع جار الذي انتهى موسمه الثاني من عدة أيام، لم أتابع حلقاته على التلفاز وكل ما عرفته عنه هو العديد والعديد من منشورات الفيسبوك والمقالات والمقابلات الصحفية. وقد وجدت خلال زيارتي الأخيرة أن كل أسرتي يتابعون هذا المسلسل المثير للجدل حسب ما قرأت.

إن ما دفعني لبدء مشاهدة المسلسل كل الأسباب أعلاه و بالتأكيد اختراع سبب جديد للهروب من ضغط الحياة اليومية من دراسة وإمتحانات، من هاجس ماذا سوف أكل الْيوم ومتى سوف أقوم بغسل ثيابي، وفي الحقيقة لقد كان خير منفذ وخير مضيعة للوقت مضيفًا بذلك طابع أسري حميمي على يومي وعلى يوم كل من يعيش لوحده. أقنعت صديقتي التي تعاني من بعض أعراض الاكتئاب أن تبدأ في متابعته أيضا فأصبحت تشاهده في أغلب الأوقات فتستوعب من ذلك أنها تستخدمه كوسيلة لتسريع حركة يومها إلى أن تعود إلى مصر.

سابع جار مسلسل درامي بطولة جماعية تدور أحداثة على قصص مجموعة من الجيران في عمارة سكنية في القاهره من الطبقة المتوسطة إلى حدٍ ما، بتفاوت وتنوع في الأعمار والأفكار والظروف وحتى درجة التمسك بالدِّين أو العادات والتقاليد، ما يجمعهم هو أنهم يرتبطون من خلال هالة العلاقات الإنسانية ومعطياتها من حب ويأس، من رغبة في التحرر ،المضي للمستقبل أو تمسك بماضي جميل أو حتى مؤذي، والأهم أن جميعهم يقعون تحت عاتق حكم المجتمع وأفكاره سواء مؤيدين،معارضين لها أو حتى مستسلمين.

السر الحقيقي في هذا الطابع الحميمي الذي يقدّمه المسلسل هو دقة دراسة الشخصيات وتوظيفها من شكل وأفكار وحوارات فكلما أشاهد شخصية لمياء التي تقوم بها دلال عبدالعزيز اتذكر ادق تفاصيل أمي وأشعر بالحنين إليها، فهي الى حد ما تقدّم شخصية الأم المصرية ربة المنزل بصورة حقيقية جدًا ولا أنسى الالتفات إلى شخصية هاله التي تقوم بها رحمة حسن أو المشهورة بدور “بهيرة بهير” والتي تمثل الأسترونج أندبنت وومن التي تحتاج الحب والشعور بالأمومة فيتم طرح قضية الأم العزباء من خلالها. أما شخصية هبة التي تقوم بها ساره عبدالرحمن كأول دور بطولة لها، التي سطع نجمها بين الشباب من اليوتيوب أولًا منذ أكثر من خمس سنوات ، تمثل أصدق الشخصيات تعبيرًا عن الفتيات الجريئات مع بعض التخبط في أيامنا هذه. الفتاة التي تريد التجربة والخوض في الحياة دون الالتفات للقيود الهلامية المفروضة عليها بدون مبرر حقيقي،هي فتاة تبحث عن نفسها ووجودها.

ربما يمكننا اختصار كل الشخصيات في طريقة تعاطيهم وتعاملهم مع فكرة الحب والعلاقات والزواج وسمو “التجربة” سواء تجربة الأشياء لاختبار قناعاتنا، أفكارنا، ومنظورنا في كثيرٍ من الأمور فبعد التجربة يمكننا تقدير ما نملك وما نعتقد أو نصرف عنه النظر ونتقبل الشيء الجديد .

إن نجاح المسلسل وقوة تأثيره هو أنه عمل إخراج جماع نسائي، ففكرة أن العمل من مخرجات شابات وهن نادين خان وهبة يسري وأيتن أمين يضيف للعمل مصداقية وواقعيه في الشخصيات والأحداث بصورة كبيرة، خصوصا في شمول الشخصيات النسائية ودقة وصف تفاصيلهم، فتجد في المسلسل شكل أغلب النساء بجميع اختلافاتهم وهذا ليس اسقاطًا من دور الرجل في المسلسل أو أن أدوار البطولة تسيطر عليها النسوة فقط، لكن الفكرة تكمن في ارتكاز النساء في حياة هؤلاء الرجال والعكس صحيح أيضا. أما إن التفتنا إلى موضوع الحب فسوف نجد أن المسلسل يقدّم لنا حقيقة لا يمكن إنكارها ألا وهي حاجتنا إلى الحب وعملية البحث عنه أو الهروب منه، والتخوّف من الوقوع فيه. ناهيك عن عكس صورة بلا تجميل للمجتمع حتى وإن اختلفوا الجماهير في اعتبارها صورة صادمة أم لا بالرغم من أنها موجودة حتى وإن تم نكرانها.

أما شعور الإنتماء الذي يضيفة المسلسل وكأن هؤلاء الشخصيات يقطنون في نفس الحي والمنطقه التي تسكن فيها هو (عصرية) المسلسل فالشخصيات تتعاطى مع نفس المفاهيم التي تواجهها، يرتدون نفس العلامات التجارية، يأكلون المكرونة والفراخ بانية وساندوتشات الكبده والبيض بالبسطرمه وأيضا يطلبون من دانكن دونتس وبيتزا هت، تجري بينهم نفس النقاشات وتدور نفس النزاعات والتساؤلات الوجدانية.

سابع جار مسلسل أضاف المتعة والحنين على يومي وخفف ثقل الغربة على صديقتي، وبهذا أعتقد أن دور المسلسل حقق غرضه ووصل الى مبتغاه، ألا وهو الارتباط بوجدان المشاهد.

كل عام وجسيكا بخير ..

 

عندما تعش في السعودية فمن الطبيعي أن لا يكون لديك أصدقاء من أديان أخرى إلا إذا كنت في إحدى المجمعات السكنية البعيده عن الواقع السعودي!، فكل ثقافتي الدراسية مع الأشخاص ذو الأديان الأخرى هي أن جميعهم في النار وقصة رسول الله مع جاره اليهودي أما الجانب الآخر هو الفنانون والكُتَّاب والعلماء والكثير والكثير ممن يثيرون إهتمامي وهم ليسوا بمسلمين ،لكن ما يحزنني أكثر هو دعاء شيخ المسجد وأغلب الشيوخ في دعاء التراويح بهلاك جميعهم، فعندما يبدأ في الدعاء بتلك الصوره التعميمية لوهله أتوقف عن قول آمين.

ولأنه لا توجد أي مظاهر إحتفال بعيد الميلاد هنا التلفاز هو الباب لذاك العالم، سواء رؤية العيد في الفاتيكان أو تلك الترانيم اللطيفه في قناتيّ لبنان LBC و MTV
وبلا شك جميع أفلام الكريسماس الهوليودية، فتثير إهتمامك ورغبتك أكثر أن يكون لديك بعض الأصدقاء كي تهنئهم بعيدهم وتشاركهم أجواء الإحتفال الحميمية.

ربطتني علاقات سطحية ببعض المسيحين فلم أعتبرها حقيقية، ولكن ها أنا إنتقلت الى السودان هذا العام بغرض الدراسة والمعيشة، السودان بلد متنوع الأعراق والأديان وإن كانت نسبة المسلمين هي الطاغية و بعد إنفصال الجنوب المؤسف وضح هذا الأمر ، بداية الجامعة وتعرّفي بجسيكا كانت مثيرة بالإهتمام بالنسبة لي خاصة و فعليًّا أنا وجسيكا سيان لا شيء مختلف بيننا ولا نتطرق لأي أسئلة بإمكانها أن تكدر صفو الحديث وهذا الشيء ليس مقصودا حقيقةً إنما مجرد عدم اهتمام منا بتلك المسألة و إيماننا أن السلام هو الحل، فكل ما يهم حاليا هو متى سوف تأخذنا معها يوما للكنيسة ورؤية استعداداتها للكريسميس فعندما ندخل محاضرة الثقافه الإسلامية ويتوجه الحديث نحو الأديان الأخرى يصيبني بعضًا من الحزن من هذا المحاضر وحديثه، وأخرج لأجد جسيكا بإنتظارنا وكأن الذي قاله لم يُسمع ..

عيد ميلاد مجيد جسيكا ❤️

غرفة الذات

ماذا سيحدث اذا وجدت نفسك داخل غرفة بيضاء خالية من أي ماديات ؟

  غرفة الذات

“هذه الغرفة الخالية من المعالم، خالية من الحقائق فقط ذاتي تحاصرني ،أرى نفسي وخباياها بكل وضوح ، كحقيقةٍ تُلوِّح في الأفق ، رأيت عالمي الوردي مزدهر أمام ناظريَّ ، رأيت محاسني وصفاتي تبرز في هذا العالم الصغير متخطية حدود الأسقف والجدران، وبدون أي مبررات وجدت هذا الذئب المتوحش يخترق كياني ، يحاول تحطيم أحلامي ،تجريدي من ذاتي ،وتحويلي الى أشلاء مترامية. ولكن، تداركت الموقف وتذكرت أنني مازلت في الغرفةِ الصماء وأن هذه فقط حقيقتي المتذبذبة ”

The White Room

غرفة الذات هي ما خرج من عقلي اللاواعي ، من العقل الباطن، عندما طلبت منا الروائية ليلى أبو العلا تخيٌل أننا في غرفة خالية من كل المعالم والماديات الممكن وجودها، لا نوافذ أوحتى أبواب، ثم صمتت لثواني طالبه منا أن نكتب ما مر على مخيلتنا وأكملت حديثها بأن نضيف لون لهذه الغرفة فكان اللون الذي أضفته الوردي كما هو مبين أعلاه ، أخيرا طلبت أن نضيف حيوان الى تلك التوليفه وصمتت لدقيقه طالبه منا أن نتلاعب بالكلمات والجُمل مكونين لها نص قصير وغرفة الذات كانت ما كتبت . هذه كانت تجربتي الأولى في كتابة أمر بتلك الطريقه، فقد كانت بمجرد ما أن تضيف شيء على تلك الغرفه أجد الكلمات والجمل تترابط وكأن عقلي أراد اخراجها منذ زمن لكن لم يجد المناسبة أو الداعي أو ببساطه لم يكن يعلم بوجودها ، بعد أن قرأنا نصوصنا بيّنت لنا بعض الدلالات والمعاني النفسيه للغرفة واللون والحيوان وآسفه أن هذه المعاني لا تحضرني الان لكن ما يحضرني حقيقةً هو مدى صدق هذا النص وعدد الذين أعجبهم ، حقيقةً لم أكن أتوقع آن ذاك أن بإستطاعتي كتابة شيء بهذه التلقائية وربما هذا ما جعلني أقرأه مرارًا وتكرارًا على أمل أن افهم ما كتبته ، بدأت أتعمق في نفسي ومراجعة تفكيري وقراراتي السابقه والحاليه وكيفية تعاملي مع الاشياء، وجدت أنني حقًّا أبني عالم وردي خاص بي أُشكل محاوره وزواياه يؤشر بمستقبل واعد ومتألق، لكن بمجرد وجود عائق يعرقل تشيد وإنشاء هذا العالم ! أراه ينهار، فتأتي الذئاب بشكل تشتت وعدم ثقه او عدم إيمان ، ينهار من الخوف والتردد والإحباط. وبمجرد وصولي لآخر طريق الانهيار أتذكر أن لاشيء يستطيع إيقافي وأنه ليس هناك ذئب متوحش يخترق هذا الكيان . هي فقط مجرد مخاوف وأمور صغيرة في الواقع وكبيرة في مخيلتي ، فالإنسان هو من يعطي حجم للسلبيات و المخاوف والتعقيدات وهو من يستطيع تحجيمها . في النص تداركت أن هذه مجرد تخيلات و في الواقع مازلت أتدارك في النهاية أنني من يستطيع السيطرة على كل تلك الأمور.

حرب الجبناء

ماري صديقتي التي اعتدت على مشاركة كل أحداث حياتنا معا، فمنذ الطفوله ونحن نعرف بعضنا البعض ، ربما انتقالي الى الخرطوم لفترة والعودة الى جوبا هي الفترة الزمنية الوحيدة التي انقطعت علاقتنا ولا أقصد بذلك القطيعة وانتهاء العلاقة بل البعد الجغرافي فقط،.

منذ أن توفي زوجها و السواد لا يفارق حياتها، السواد في الملبس والمأكل والحزن الطاغي عليها، كان الحي كله يعلم بمدى خفة ظلها وضحكتها العاليه ، لكن الحرب لا ترحم أحد حتى وإن كان رجل أطفاله الصغار وزوجته في أتم الحاجه إليه لتستمر الحياة ، توفي منذ فترة وبدأت هي العمل هنا وهناك توقًا في الحصول على عشاء لأطفالها فهي شخصية عصامية قادرة على التحمل والتضحية في سبيل أطفالها لكن كما قلت سابقا الحرب لا ترحم أحد .
صباح اليوم وأنا أكنس أمام منزلي وجدتها خارجه من منزلها بفستانها الاسود الذي يحكي معاناة الحرب والفقر و قلبها المهموم ناهيك عن حقيبتها المصنوعة من السعف يدوياً بألوانها الباهتة ، لم أستغرب من شكلها فهذا ما بقيت عليه منذ رحيل زوجها لكن تعابير وجهها كانت غريبة فلم أعلم هل هيا سعاده في صورة خوف وترقب أم ماذا، ألقيت عليها التحية عن بُعد وقبيل أن أُكمل حديثي بأن ادعوها عصر اليوم للمنزل هي وأطفالها فإنني أحب مداعبتهم واللهو معهم لكنني وجدتها ردت السلام وذهبت مُسرعه، شعرت أن هناك شيئا ما يحدث فذهبت لجارتي الأخرى حتى أسألُها ان كان هناك شيء مختلف في ماري لكنها أجابتني بكل لامبالاة ” لا أعلم ” ولا ألومها في ذلك فمن في هذه الأيام يبالي لفرح او حزن جاره فليست ماري الوحيده التي انتهكت الحرب جزءً منها، فذاك المنزل توفي فيه شخصان وتلك الفتاة حبيبها لقي   حتفه قبيل زواجهم بفترة قصيرة وتلك توفي أحد أطفالها من الجوع فالمجاعة متفشية هنا غير الكثيرين الذين فقدوا أحد اطرافهم وهلم جرا.
مع العصر جاء زوجي من عمله فهو يعمل أمين صندوق في البنك هممت لإخباره عن ماري ومدى غرابتها وحذرها صباح اليوم، لا ادري لكن يبدو هناك قليلٌ من السعادة أيضا وجدته يقول لي : لقد جاءت البنك لتستلم حقوق زوجها النقدية سوف تساعدها في إكمال الحياة مؤكد، لذلك من الطبيعي أن يكون هذا شكلها في ظل أوضاع البلد المتذبذبة وكثرة الجريمة المتفشيه، أما عن طابع السعاده الذي ذكرتيه فمؤكد المال سوف يخفف أعباء الحياة لكن وهي ذاهبه ألقت التحيه علي بكل ارتياح .

ذهبت لإبارك لها سريعا لكنني وجدت انها لم تذكر المال والمكافأة في حديثها فلم اذكره أنا أيضا لكنني رأيت وجهها مختلف عن الصباح ربما قليلا من الراحة انهالت عليه وكثيرا من الترقب ، أطفالها الفرحين كانا مؤشر قوي أن ما قاله زوجي حقيقه ، لم أحب أن أطل زيارتي وعدت للمنزل .
مع حلول الليل سمعت أحدًا يطرق باب بشدة وفجأة صوت رصاصه اخترقت شيء ما لم أعلم اهو بيت ماري أم أحد الجيران لكن ماري بدأت بالصراخ وطلب النجدة هرعت لزوجي كي يذهب ليرى ماذا هناك لكنه كان غير مبالي كالجميع فبعد الحرب كلن يقول نفسي نفسي ، تسللت الى باب منزلنا لأرى ما يحدث عبر الثقب لكن كل ما رأيته في هذا الظلام أشخاص يحملن شنطه حديدية خارجين من بيت ماري لم أستطع تمييز هيئتهم ، لم أعلم لماذا لم أتصل على الشرطة او لماذا زوجي لم يكن يتصرف ببعض الرجولة والشهامة وذهب لمساعدتها فقد كان يتحدث عنها عصر اليوم بإهتمام أو لماذا أصبحنا جبناء. جميعنا جبناء لا استثني أحد حتى أنا التي سمعت ورأت ولم تفعل شيء ، ذهبت إليها في الصباح وجدت الجميع أتوا فضولا ومعرفة للخبر لا أكثر لكنّ ما أصابها كان أصعب من أن ترد وتجيب عن أسألتهم وانا لم أشعر بخذلان وضعف قدر ما شعرت به فقد كانت عيناها مليئة بالشرار والاشمئزاز منا.

 

حرب الجنباء هي إعادة صياغة وسرد القصة القصيرة “أمي أنا خائفه”من منظور آخر ، للكاتبة استيلا قايتانو من مجموعتها القصصية العودة.

لقراءة القصة اضغط هنا

مراحل تخلّي

لا أذكر متى شعرت معك بالحب او حتى بالكره ربما أنا املك شعور الحب والكره معا اتجاهك ، دوما أشعر أنني اريد صفع وجهك ثم احتضانك مسرعة فهذه بالضبط حكايتي معك ، كلما كرهتك وجدت اسباب تمنعني من تركك وكلما أيقنت انك ملاذي ووطني وجدت جنودك يطردوني منك أو حتى يبشعون صورتك في وجداني ، محاولات تركي لك تبوء بالفشل كأنني مقيدة بحبلٍ طويل أحسب انني تخطيتك بالبعد عنك ثم أجد أن طول الحبل انتهى وبدء يجرني للوراء، كلما أنظر لعلاقتنا تطرئ على مسامعي أم كلثوم بغاية البؤس تغني “بخاف عليك   . وبخاف تنساني ” فما الذي    مرأة أن تخاف على شخص تخاف أن ينساها أيضا غير الحب ، ربما أنا لا اكرهك وإنما أكره حبي لك

دعني أذهب لا تجعلني أتشبث بالماضي ، لا تمسك يدي وتقل ابقي من أجلي ، دعني أذهب أرجوك ، من أجل أن أرى كياني، فبسببك أنا راحلة، كلما أحببتك أكثر كلما فقدت نفسي أكثر فلست انت بالحبيب الصالح ولا أنا الحبيبة القادرة على إصلاحك، وهل يوجد من الأساس من يمكن إصلاحه في الحب ؟ فكلٌ لديه طريقته حتى وإن كانت مثل طريقتك الرديئة المُتعِبه، وأنا لا أريد حقا إصلاحك حتى وإن تمكنتُ من ذلك ، دعني أتخلى عن ذكريات جمال عينيك وبسمتك، تلك العينان التي لم أفهمهم قط لم افهم نظراتك ولا ما يجول بداخل عقلك و مخيلتك، لم أفهم هل أحببتني أم شعرت انني دائمة الوجود لن أتخلى عنك وسوف ابقى دائما المُحِبه الوديعه ! ربما أنا محقة في هذا الشأن محقة جدا  . بالتأكيد فأنا كنت دائما المُحِبه الوديعة

ذهبت وانا مشتتةِ الأفكار والوجدان لم أعرف هل هذا قرار صحيح أم مجرد تسرع لاعقلاني ، لكن على الأقل تشبثت بقرارٍ واصررت على فعله، وكيف لي أن اقول انني تسرعت فلو اني كذلك بالفعل لِما كنت مصره كل ذاك الإصرار على الذهاب ! لا لن يستحوذ علي الحنين ويجعلني أنسى رداءة حُبك ، لم أنكر لحظاتنا السعيدة أو أمنياتنا المشتركة لكن هذا لن يغفر لك ، فإن كانت الحسنة بعشر أمثالها عند الله فالحسنة بعشر سيئات في  قاموسك .

هل ينصت أحد ؟

شعور العزله والانغلاق الذي يصيبك بعد عدة مرات من الحوارات التي حالت دون استماع، ذاك الشعور أن لا أحد يشعر بك او يفهم ما تريد إيصاله! ،أن مشاعرك لابد أن تتحرر لكنك لا تجد مستمع جيد،لا تقلق فأنت ليس الوحيد في هذا العالم !، يقال أن نصف الكره الأرضيه تشتكي من أن النصف الآخر لا يستمع وإذا سألنا النصف الآخر سوف نجد نفس الإجابة ،وأن تكون مستمع جيد لا يعني ذلك أنه يجب عليك إسداء نصائح او حتى الرد، أحيانا يكون السكوت اجابة كافيه اذا كانت جميع حواسك مع الطرف الآخر تشاركه الشعور وتجعله يحس بالاطمئنان.

12910889_10201414321317443_1109135614_n

المشكلة تكمن في جوانب كثيره من احاديثنا، طريقة تلّقينا للحديث ، قلة معرفتنا بأهمية الاستماع وكيفيته، فنحن في الحقيقة نسمع ونفهم ما نريد من احاديث الناس، على الاقل يجب الاعتراف بذلك و أننا نعري الاهتمام ونستمع بشغف فقط عندما يهمنا الأمر. و من مظاهر عدم الاستماع أن أغلب مشاكل الازواج بسبب أن كل طرف من العلاقه لا يستمع ويأخذ موقف عدائي في الإجابة فتجد الزوجة مثلا تقول يجب عليك اللعب مع ابننا أكثر وكل ما يفهمه الزوج أنها تقول له انك لست اب جيد، هي أخطئت في الأسلوب لأن دائما الجمل التي تبدأ ب يجب تحول الى عدم الاستماع وفهمها بطريقه عدائية مُحبِطه وهو أخطأ عندما أخذ موقف دفاعي في رده ، مؤكد في يوم من الايام أطريت ومدحت احد بالذات اذا كان قريب منك او شريك حياتك في شيء ووجدت انه انزعج او شعر انك تسخر منه فمثلا عندما تمدح قوام امرأة وهي تشعر في قرارة نفسها انها يجب عليها خسارة بعض الوزن في الأغلب لن تفهم المديح بصورته الصحيحه الكاملة فنظرتنا لأنفسنا أكثر أهمية وتأثيرا من نظرة الناس إلينا لكن ما لم ننتبه إليه ان نظرتنا لأنفسنا تتأثر حقا بما يبدونه الناس إلينا ويشعرونا به الأمر يبدأ صغيرا الى أن ينحرف في العقل الباطن ، أو عندما تحكي لصديق عن انك مازلت متردد في اختيار التخصص الجامعي و سوف تغير اختيارك الاخير أيضا فتكون الأجابه افعل ما يحلو لك أو أنا قلت لك رأيي في هذا الشأن وارى أن ذاك التخصص أنسب لك، لكنه لم يفهم أنك عندما اتيت له كان كل ما تريده أن تفصح عن مدى سوء شعور التشتت فأنت بالكاد تعلم أن الخيار بيدك ولا تحتاج احد لقول ذلك .

ناهيك أيضا عن اسلوب و ” وأنا أيضا” فيأتي الشخص يحكي عن معاناته مع المرض او مشاكله الأسريه أو أي حدث وشعور فتجد المستمع قبيل حتى أن تنتهي من حديثك يبدأ ب أنا أيضا ويتحول الحديث عنه ، ربما نيته صافيه ويريد أن يشعرك أنك لست الوحيد الذي يحصل معه هذا الشيء او حتى مجرد انجراف حماسي مع الحديث، لكنه لم ينتبه أن الحديث ليس عنه وأن تصغير معاناة شخص حتى يشعر بشعور أفضل لن يصغّر او يقلل حقا من مدى حجم الأمر

12910756_10201402566384048_1978195434_n-1.

فقدان الاستماع يؤدي الى كبت المشاعر وقلة الحديث عن المشاكل التي تواجهنا، الاحزان والاسى وحتى مشاعر الفرح ، يحولنا الى أشخاص غير قادرين على البوح، مشككين بصدق مشاعر اهتمام الناس إتجاهنا ، محبطين نحاول عزل دواخلنا، فلا ننسى ان عندما نحاط بأُناس يعيون بما يختلج في صدورنا ويفهموا ذاتنا ويستمعو لنا نحس بالتقدير ونكون مقبلين على الحياة

جزء من أفكار كتاب “

هل تنصت حقا ؟ – ماري أي . سيجيل / بول جيه . دونوجي .

Are You Really Listening? by Mary E. Siegel and Paul J. Donoghue”