بدأت متابعة مسلسل سابع جار الفترة الماضية بالرغم من أن علاقتي بالمسلسلات العربية في الآونة الأخيرة باءت تقتصر على مسلسل أو اثنان في رمضان، وهذا بلا شك لأن رمضان موسم مارثون المسلسلات العربية الأكبر لكن هذا ليس صلب موضوع حديثنا.
سابع جار الذي انتهى موسمه الثاني من عدة أيام، لم أتابع حلقاته على التلفاز وكل ما عرفته عنه هو العديد والعديد من منشورات الفيسبوك والمقالات والمقابلات الصحفية. وقد وجدت خلال زيارتي الأخيرة أن كل أسرتي يتابعون هذا المسلسل المثير للجدل حسب ما قرأت.
إن ما دفعني لبدء مشاهدة المسلسل كل الأسباب أعلاه و بالتأكيد اختراع سبب جديد للهروب من ضغط الحياة اليومية من دراسة وإمتحانات، من هاجس ماذا سوف أكل الْيوم ومتى سوف أقوم بغسل ثيابي، وفي الحقيقة لقد كان خير منفذ وخير مضيعة للوقت مضيفًا بذلك طابع أسري حميمي على يومي وعلى يوم كل من يعيش لوحده. أقنعت صديقتي التي تعاني من بعض أعراض الاكتئاب أن تبدأ في متابعته أيضا فأصبحت تشاهده في أغلب الأوقات فتستوعب من ذلك أنها تستخدمه كوسيلة لتسريع حركة يومها إلى أن تعود إلى مصر.
سابع جار مسلسل درامي بطولة جماعية تدور أحداثة على قصص مجموعة من الجيران في عمارة سكنية في القاهره من الطبقة المتوسطة إلى حدٍ ما، بتفاوت وتنوع في الأعمار والأفكار والظروف وحتى درجة التمسك بالدِّين أو العادات والتقاليد، ما يجمعهم هو أنهم يرتبطون من خلال هالة العلاقات الإنسانية ومعطياتها من حب ويأس، من رغبة في التحرر ،المضي للمستقبل أو تمسك بماضي جميل أو حتى مؤذي، والأهم أن جميعهم يقعون تحت عاتق حكم المجتمع وأفكاره سواء مؤيدين،معارضين لها أو حتى مستسلمين.
السر الحقيقي في هذا الطابع الحميمي الذي يقدّمه المسلسل هو دقة دراسة الشخصيات وتوظيفها من شكل وأفكار وحوارات فكلما أشاهد شخصية لمياء التي تقوم بها دلال عبدالعزيز اتذكر ادق تفاصيل أمي وأشعر بالحنين إليها، فهي الى حد ما تقدّم شخصية الأم المصرية ربة المنزل بصورة حقيقية جدًا ولا أنسى الالتفات إلى شخصية هاله التي تقوم بها رحمة حسن أو المشهورة بدور “بهيرة بهير” والتي تمثل الأسترونج أندبنت وومن التي تحتاج الحب والشعور بالأمومة فيتم طرح قضية الأم العزباء من خلالها. أما شخصية هبة التي تقوم بها ساره عبدالرحمن كأول دور بطولة لها، التي سطع نجمها بين الشباب من اليوتيوب أولًا منذ أكثر من خمس سنوات ، تمثل أصدق الشخصيات تعبيرًا عن الفتيات الجريئات مع بعض التخبط في أيامنا هذه. الفتاة التي تريد التجربة والخوض في الحياة دون الالتفات للقيود الهلامية المفروضة عليها بدون مبرر حقيقي،هي فتاة تبحث عن نفسها ووجودها.
ربما يمكننا اختصار كل الشخصيات في طريقة تعاطيهم وتعاملهم مع فكرة الحب والعلاقات والزواج وسمو “التجربة” سواء تجربة الأشياء لاختبار قناعاتنا، أفكارنا، ومنظورنا في كثيرٍ من الأمور فبعد التجربة يمكننا تقدير ما نملك وما نعتقد أو نصرف عنه النظر ونتقبل الشيء الجديد .
إن نجاح المسلسل وقوة تأثيره هو أنه عمل إخراج جماع نسائي، ففكرة أن العمل من مخرجات شابات وهن نادين خان وهبة يسري وأيتن أمين يضيف للعمل مصداقية وواقعيه في الشخصيات والأحداث بصورة كبيرة، خصوصا في شمول الشخصيات النسائية ودقة وصف تفاصيلهم، فتجد في المسلسل شكل أغلب النساء بجميع اختلافاتهم وهذا ليس اسقاطًا من دور الرجل في المسلسل أو أن أدوار البطولة تسيطر عليها النسوة فقط، لكن الفكرة تكمن في ارتكاز النساء في حياة هؤلاء الرجال والعكس صحيح أيضا. أما إن التفتنا إلى موضوع الحب فسوف نجد أن المسلسل يقدّم لنا حقيقة لا يمكن إنكارها ألا وهي حاجتنا إلى الحب وعملية البحث عنه أو الهروب منه، والتخوّف من الوقوع فيه. ناهيك عن عكس صورة بلا تجميل للمجتمع حتى وإن اختلفوا الجماهير في اعتبارها صورة صادمة أم لا بالرغم من أنها موجودة حتى وإن تم نكرانها.
أما شعور الإنتماء الذي يضيفة المسلسل وكأن هؤلاء الشخصيات يقطنون في نفس الحي والمنطقه التي تسكن فيها هو (عصرية) المسلسل فالشخصيات تتعاطى مع نفس المفاهيم التي تواجهها، يرتدون نفس العلامات التجارية، يأكلون المكرونة والفراخ بانية وساندوتشات الكبده والبيض بالبسطرمه وأيضا يطلبون من دانكن دونتس وبيتزا هت، تجري بينهم نفس النقاشات وتدور نفس النزاعات والتساؤلات الوجدانية.
سابع جار مسلسل أضاف المتعة والحنين على يومي وخفف ثقل الغربة على صديقتي، وبهذا أعتقد أن دور المسلسل حقق غرضه ووصل الى مبتغاه، ألا وهو الارتباط بوجدان المشاهد.