سلامًا على روح ريم ..

السبت الموافق الرابع والعشرين من شهر مارس عام ٢٠١٨ استيقظت في الحادية عشر صباحًا وكعادتي بدأت بتصفح وسائل التواصل الأجتماعي وكل ما سقطت عيني عليه هو الكثير من صور ريم بنا، سلسلة مقاطع “خاطرة في القاطرة” وآخر منشورات لها على صفحتها في الفيسبوك، ريم بنا غادرتنا، رحلت قوية كارهه للحزن والأسى.

ريم بنا التي حاربت السرطان وظلت تحاربة حتى أننا ظننا أنها في الأغلب سوف تموت من أي سبب في الحياة إلا هو .

كلما أفكر في قصتها مع المرض أتذكر قولها، “أنا مصابة بالسرطان ولن أدعه يتمكن مني”،”انت تعانين من السرطان؟ لا السرطان من يعاني مني ” في الحقيقة بكل لحظات المرض والقوة الخاره الشيء الوحيد الذي نعلمه أنها لم تدعه يتمكّن منها.

عندما قرأت الخبر تذكرت المرة الأولى التي سمعت فيها أغانيها ، تلك المرة التي جاء فيها أخي أمجد من القاهرة إلى الرياض بعد أعوام من بدئه دراسته الجامعية وهو يسمعنا أغانيها على موبايله النوكيا في سرير أمي، أنا وهو ولينا قائلًا ( تعالو أسمعكوا أغاني حلوة بتاعت وحده فلسطينية اسمها ريم بنا) ومن يومها وهي تعتبر أحد اول الفانون الحقيقيون اللائي أُفضّلهم.

ولا أنسى خبر اصابتها بالسرطان منذ تسع أعوام والكثير من معجبيها اللائي حلقن رؤوسهن معها مثل صديقة ابنة خالتي نجوى حرب ومدى شعوري بجرأة ما فعلته. وعندما انتكست مرة أخرى ثم بعد ذلك عندما فقدت صوتها وتوقفت عن الغناء عام ٢٠١٦ وشعور الصدمة والحزن الذي انتاب الجميع فوجدناها عادت قوية ومتألقه في خاطره في القاطرة بكل روح التفاؤل وبحسب كلامها “تفاؤل بوسع المدى” .

في ظل كل هذه السنين ريم بنا ظلّت دائماً صوتًا للمقاومة ، مقاومة الأحتلال، مقاومة المرض، ومقاومة المعتاد والعادي بجمال صوتها،ولغة كتابتها، قوتها وروحها السامية.ومثل آخر ما كتبته “هذه الحياة جميلة والموت كالتاريخ .. فصل مزّيف” .

سلاًما ورحمةً على روح ريم.

لماذا سابع جار ..

بدأت متابعة مسلسل سابع جار الفترة الماضية بالرغم من أن علاقتي بالمسلسلات العربية في الآونة الأخيرة باءت تقتصر على مسلسل أو اثنان في رمضان، وهذا بلا شك لأن رمضان موسم مارثون المسلسلات العربية الأكبر لكن هذا ليس صلب موضوع حديثنا.

سابع جار الذي انتهى موسمه الثاني من عدة أيام، لم أتابع حلقاته على التلفاز وكل ما عرفته عنه هو العديد والعديد من منشورات الفيسبوك والمقالات والمقابلات الصحفية. وقد وجدت خلال زيارتي الأخيرة أن كل أسرتي يتابعون هذا المسلسل المثير للجدل حسب ما قرأت.

إن ما دفعني لبدء مشاهدة المسلسل كل الأسباب أعلاه و بالتأكيد اختراع سبب جديد للهروب من ضغط الحياة اليومية من دراسة وإمتحانات، من هاجس ماذا سوف أكل الْيوم ومتى سوف أقوم بغسل ثيابي، وفي الحقيقة لقد كان خير منفذ وخير مضيعة للوقت مضيفًا بذلك طابع أسري حميمي على يومي وعلى يوم كل من يعيش لوحده. أقنعت صديقتي التي تعاني من بعض أعراض الاكتئاب أن تبدأ في متابعته أيضا فأصبحت تشاهده في أغلب الأوقات فتستوعب من ذلك أنها تستخدمه كوسيلة لتسريع حركة يومها إلى أن تعود إلى مصر.

سابع جار مسلسل درامي بطولة جماعية تدور أحداثة على قصص مجموعة من الجيران في عمارة سكنية في القاهره من الطبقة المتوسطة إلى حدٍ ما، بتفاوت وتنوع في الأعمار والأفكار والظروف وحتى درجة التمسك بالدِّين أو العادات والتقاليد، ما يجمعهم هو أنهم يرتبطون من خلال هالة العلاقات الإنسانية ومعطياتها من حب ويأس، من رغبة في التحرر ،المضي للمستقبل أو تمسك بماضي جميل أو حتى مؤذي، والأهم أن جميعهم يقعون تحت عاتق حكم المجتمع وأفكاره سواء مؤيدين،معارضين لها أو حتى مستسلمين.

السر الحقيقي في هذا الطابع الحميمي الذي يقدّمه المسلسل هو دقة دراسة الشخصيات وتوظيفها من شكل وأفكار وحوارات فكلما أشاهد شخصية لمياء التي تقوم بها دلال عبدالعزيز اتذكر ادق تفاصيل أمي وأشعر بالحنين إليها، فهي الى حد ما تقدّم شخصية الأم المصرية ربة المنزل بصورة حقيقية جدًا ولا أنسى الالتفات إلى شخصية هاله التي تقوم بها رحمة حسن أو المشهورة بدور “بهيرة بهير” والتي تمثل الأسترونج أندبنت وومن التي تحتاج الحب والشعور بالأمومة فيتم طرح قضية الأم العزباء من خلالها. أما شخصية هبة التي تقوم بها ساره عبدالرحمن كأول دور بطولة لها، التي سطع نجمها بين الشباب من اليوتيوب أولًا منذ أكثر من خمس سنوات ، تمثل أصدق الشخصيات تعبيرًا عن الفتيات الجريئات مع بعض التخبط في أيامنا هذه. الفتاة التي تريد التجربة والخوض في الحياة دون الالتفات للقيود الهلامية المفروضة عليها بدون مبرر حقيقي،هي فتاة تبحث عن نفسها ووجودها.

ربما يمكننا اختصار كل الشخصيات في طريقة تعاطيهم وتعاملهم مع فكرة الحب والعلاقات والزواج وسمو “التجربة” سواء تجربة الأشياء لاختبار قناعاتنا، أفكارنا، ومنظورنا في كثيرٍ من الأمور فبعد التجربة يمكننا تقدير ما نملك وما نعتقد أو نصرف عنه النظر ونتقبل الشيء الجديد .

إن نجاح المسلسل وقوة تأثيره هو أنه عمل إخراج جماع نسائي، ففكرة أن العمل من مخرجات شابات وهن نادين خان وهبة يسري وأيتن أمين يضيف للعمل مصداقية وواقعيه في الشخصيات والأحداث بصورة كبيرة، خصوصا في شمول الشخصيات النسائية ودقة وصف تفاصيلهم، فتجد في المسلسل شكل أغلب النساء بجميع اختلافاتهم وهذا ليس اسقاطًا من دور الرجل في المسلسل أو أن أدوار البطولة تسيطر عليها النسوة فقط، لكن الفكرة تكمن في ارتكاز النساء في حياة هؤلاء الرجال والعكس صحيح أيضا. أما إن التفتنا إلى موضوع الحب فسوف نجد أن المسلسل يقدّم لنا حقيقة لا يمكن إنكارها ألا وهي حاجتنا إلى الحب وعملية البحث عنه أو الهروب منه، والتخوّف من الوقوع فيه. ناهيك عن عكس صورة بلا تجميل للمجتمع حتى وإن اختلفوا الجماهير في اعتبارها صورة صادمة أم لا بالرغم من أنها موجودة حتى وإن تم نكرانها.

أما شعور الإنتماء الذي يضيفة المسلسل وكأن هؤلاء الشخصيات يقطنون في نفس الحي والمنطقه التي تسكن فيها هو (عصرية) المسلسل فالشخصيات تتعاطى مع نفس المفاهيم التي تواجهها، يرتدون نفس العلامات التجارية، يأكلون المكرونة والفراخ بانية وساندوتشات الكبده والبيض بالبسطرمه وأيضا يطلبون من دانكن دونتس وبيتزا هت، تجري بينهم نفس النقاشات وتدور نفس النزاعات والتساؤلات الوجدانية.

سابع جار مسلسل أضاف المتعة والحنين على يومي وخفف ثقل الغربة على صديقتي، وبهذا أعتقد أن دور المسلسل حقق غرضه ووصل الى مبتغاه، ألا وهو الارتباط بوجدان المشاهد.