ماري صديقتي التي اعتدت على مشاركة كل أحداث حياتنا معا، فمنذ الطفوله ونحن نعرف بعضنا البعض ، ربما انتقالي الى الخرطوم لفترة والعودة الى جوبا هي الفترة الزمنية الوحيدة التي انقطعت علاقتنا ولا أقصد بذلك القطيعة وانتهاء العلاقة بل البعد الجغرافي فقط،.
منذ أن توفي زوجها و السواد لا يفارق حياتها، السواد في الملبس والمأكل والحزن الطاغي عليها، كان الحي كله يعلم بمدى خفة ظلها وضحكتها العاليه ، لكن الحرب لا ترحم أحد حتى وإن كان رجل أطفاله الصغار وزوجته في أتم الحاجه إليه لتستمر الحياة ، توفي منذ فترة وبدأت هي العمل هنا وهناك توقًا في الحصول على عشاء لأطفالها فهي شخصية عصامية قادرة على التحمل والتضحية في سبيل أطفالها لكن كما قلت سابقا الحرب لا ترحم أحد .
صباح اليوم وأنا أكنس أمام منزلي وجدتها خارجه من منزلها بفستانها الاسود الذي يحكي معاناة الحرب والفقر و قلبها المهموم ناهيك عن حقيبتها المصنوعة من السعف يدوياً بألوانها الباهتة ، لم أستغرب من شكلها فهذا ما بقيت عليه منذ رحيل زوجها لكن تعابير وجهها كانت غريبة فلم أعلم هل هيا سعاده في صورة خوف وترقب أم ماذا، ألقيت عليها التحية عن بُعد وقبيل أن أُكمل حديثي بأن ادعوها عصر اليوم للمنزل هي وأطفالها فإنني أحب مداعبتهم واللهو معهم لكنني وجدتها ردت السلام وذهبت مُسرعه، شعرت أن هناك شيئا ما يحدث فذهبت لجارتي الأخرى حتى أسألُها ان كان هناك شيء مختلف في ماري لكنها أجابتني بكل لامبالاة ” لا أعلم ” ولا ألومها في ذلك فمن في هذه الأيام يبالي لفرح او حزن جاره فليست ماري الوحيده التي انتهكت الحرب جزءً منها، فذاك المنزل توفي فيه شخصان وتلك الفتاة حبيبها لقي حتفه قبيل زواجهم بفترة قصيرة وتلك توفي أحد أطفالها من الجوع فالمجاعة متفشية هنا غير الكثيرين الذين فقدوا أحد اطرافهم وهلم جرا.
مع العصر جاء زوجي من عمله فهو يعمل أمين صندوق في البنك هممت لإخباره عن ماري ومدى غرابتها وحذرها صباح اليوم، لا ادري لكن يبدو هناك قليلٌ من السعادة أيضا وجدته يقول لي : لقد جاءت البنك لتستلم حقوق زوجها النقدية سوف تساعدها في إكمال الحياة مؤكد، لذلك من الطبيعي أن يكون هذا شكلها في ظل أوضاع البلد المتذبذبة وكثرة الجريمة المتفشيه، أما عن طابع السعاده الذي ذكرتيه فمؤكد المال سوف يخفف أعباء الحياة لكن وهي ذاهبه ألقت التحيه علي بكل ارتياح .
ذهبت لإبارك لها سريعا لكنني وجدت انها لم تذكر المال والمكافأة في حديثها فلم اذكره أنا أيضا لكنني رأيت وجهها مختلف عن الصباح ربما قليلا من الراحة انهالت عليه وكثيرا من الترقب ، أطفالها الفرحين كانا مؤشر قوي أن ما قاله زوجي حقيقه ، لم أحب أن أطل زيارتي وعدت للمنزل .
مع حلول الليل سمعت أحدًا يطرق باب بشدة وفجأة صوت رصاصه اخترقت شيء ما لم أعلم اهو بيت ماري أم أحد الجيران لكن ماري بدأت بالصراخ وطلب النجدة هرعت لزوجي كي يذهب ليرى ماذا هناك لكنه كان غير مبالي كالجميع فبعد الحرب كلن يقول نفسي نفسي ، تسللت الى باب منزلنا لأرى ما يحدث عبر الثقب لكن كل ما رأيته في هذا الظلام أشخاص يحملن شنطه حديدية خارجين من بيت ماري لم أستطع تمييز هيئتهم ، لم أعلم لماذا لم أتصل على الشرطة او لماذا زوجي لم يكن يتصرف ببعض الرجولة والشهامة وذهب لمساعدتها فقد كان يتحدث عنها عصر اليوم بإهتمام أو لماذا أصبحنا جبناء. جميعنا جبناء لا استثني أحد حتى أنا التي سمعت ورأت ولم تفعل شيء ، ذهبت إليها في الصباح وجدت الجميع أتوا فضولا ومعرفة للخبر لا أكثر لكنّ ما أصابها كان أصعب من أن ترد وتجيب عن أسألتهم وانا لم أشعر بخذلان وضعف قدر ما شعرت به فقد كانت عيناها مليئة بالشرار والاشمئزاز منا.
حرب الجنباء هي إعادة صياغة وسرد القصة القصيرة “أمي أنا خائفه”من منظور آخر ، للكاتبة استيلا قايتانو من مجموعتها القصصية العودة.
لقراءة القصة اضغط هنا