إلى أين تتجه علاقاتنا الاجتماعية بعد زمن الكورونا

تقف على بعد مترين وعيونها تحدق بمن حولها. وكل ما تراه كماماتٌ زرقاء وبيضاء تغطي ملامحهم، وقفزاتٌ تخفي تجاعيد أعمارهم. فمع انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، لا تهتم الأم الإبنتين إلى الإسم ولا العمر ولا الملامح. كل ما يهمها هو أن لا يقترب منها أحد وأن تعود إلى منزلها، وتقوم بتنظيف وتعقيم كل المستلزمات التي إشترتها حفاظاً على صحة عائلتها. هذه هي قصة الأخصائية الاجتماعية بمدرسة الشعلة في الشارقة، أريج عزام، القصة التي تمثل حال غالبية الناس. 

وتقول عزام، في مقابلة خاصة، إن “فيروس كورونا لم يفرق بين غني وفقير. فحالياً، نحن كلنا نتشارك نفس الهموم ونعيش نفس الظروف. ما يشكل نوع من الوحدة والتقارب بين الناس.” وتتابع “لكن بالوقت نفسه زرع فينا الفيروس حالة من الخوف، الخوف من الناس وعلى الناس. فأنا أخاف على سلامة بناتي وأخاف على زوجي الطبيب، لذلك أحرص على عدم الإقتراب من أحد كنوع من الوقاية”. 

وتشير عزام إلى أنه “إذا استمر الوضع الراهن مدةً أطول، علاقاتنا الاجتماعية ستجف أكثر فأكثر”. وتنوه عزام إلى أن البعد الاجتماعي والإنعزال في المنازل، كفيل بتغير سلوكنا وطريقة تعاملنا مع الناس بعد زوال الجائحة. ولا تعتقد عزام بأن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها.

فاستمرار انتشار فيروس كورونا، في ظل ما يواجهه العالم من مشكلاتٍسياسية واقتصادية وصحية، يهدد دول العالم، بحروبٍ نفسية وتغيراتٍاجتماعية. فبعد إدراج منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا على أنه جائحة، شهدت غالبية الدول تغيراتٍ أدت إلى عزلة وتباعد المجتمع. ففي غضون بضعة أيام أعلنت عدة دول إغلاق المطارات، وفرض شروط على المواطنين في البقاء بمنازلهم ومتابعتهم ومراقبتهم.

والعيش تحت القيود المشروطة على الناس، سيأثر بطريقةٍ ما، سلباً كانت أم إيجاباً، على طريقة تعامل الناس بين بعضها بعد زوال الجائحة. إذ يلعب الحجر المنزلي والتباعد عن الناس، دوراً كبيراً في تغير الحالة الاجتماعية والنفسية لدى الناس. فقد تغيرت أساليب الحياة الطبيعية، مثل الذهاب للعمل ومصافحة الأصدقاء والجلوس معهم.

وتعتقد أستاذ علم الاجتماع، راشوان راي، أن فترة ما بعد الجائحة، ستشهد تغيرات اجتماعية ولو كانت بسيطة كالمصافحة. ويقول، في مقابلة هاتفية، إن “الكثيرين سيستبدلون المصافحة باليد والضم والتقبيل، بالإشارة من بعيد لبعيد. لأننا لا نضمن عدم عودة الفيروس في المستقبل”. وبالنسبة لراي، فسيبقى عنده شك اتجاه المصافحة، ويؤكد على أنه “كلما طالت مدة الجائحة، زادت احتمالية تغير كل شيء حول العالم، ومن ضمنها كيفية تواصلنا مع الناس، لعدة شهور أو حتى سنوات”.

وفي المقابل، تقول مدربة الحياة، سندس الشايجي، في تصريحٍ خاص، بإنه “كلما زادت حدة العزلة، زادت حدة التأثيرات النفسية على علاقة الفرد بمحيطه”. إلا أنها توضح أننا “نعيش في زمن تتوفر فيه كل الأدوات التي تضمن لنا استمراريتنا بالتواصل مع الآخرين”. وتستمر قائلةً “العلاقات عبر الإنترنت لا تختلف كثيراً عن العلاقات المباشرة وجهاً لوجه. فإذا استغلينا وقتنا وتواصلنا مع أصدقائنا وأقاربنا، حتى إن كان عبر الإنترنت، سيخفف ذلك من تأثير مبدأ العزلة الاجتماعية. وعلاقتنا لن تتغير كثيراً بعد زوال الجائحة”.

ويوافقها بالرأي أستاذ علم الاجتماع، أحمد خطابي، حيث أعرب في مقابلة هاتفية، أنه “بالطبع، علاقاتنا بالناس لن تتغير بعد زوال الجائحة. فمعظمنا منتظرين لحظة إنتهاء فترة الحجر الصحي لمقابلة أقربائنا وأصدقائنا، والتفاعل معهم وجهاً لوجه.” وقد شدد خطابي إلى أهمية المحافظة على العلاقاتالاجتماعية، قائلاً إننا “بحاجة إلى اللمس الجسدي والاتصال الاجتماعي الشخصي والعلاقات الحميمية. فهذه أمور ضرورية لرفاهنا العاطفي والجسدي المستمر”.

ولكنه يحذر من ماهية بداية العلاقات الاجتماعية في الحياة الواقعية، فيقول إنه “في بادئ الأمر سيكون الإختلاط بالناس مخيفاً إلى أن نتأكد من أنه آمن. وعندما نتخطى ذلك، أعتقد أنه سيكون لدينا تقديرٌ جديد للعلاقات الأسرية والاجتماعية”.

وتشير المفكرة نهى ملص، إلى أن “فترة الحجر الصحي جعلتنا نقدر أصغروأبسط الأمور، كالمشي في الشوارع والتسكع مع الأصدقاء، حتى أننا اشتقنا إلى العمل من مكاتبنا”. وتضيف قائلة إن “هذه الفترة التي نمر بها، منحتنا فرصة لنتفكر بالحياة بشكل أعمق ونتعرف على محيطنا، فالأزمة كشفت ثغرات المجتمع والحكومات”. 

وتتابع حديثها، لافةً النظر إلى موضوع “كشف الثغرات” فتقول إن “الفترة ما بعد زوال الجائحة تعتمد على مدى النضج وعمق التفكير الذي توصلنا إليه خلال الأزمة. ومدى تغير أسلوب علاقاتنا الاجتماعية وطريقة عيشنا يعتمد على وعيننا بمحيطنا”.  

وفي الفيديو المرفق توضح المحامية فرح نسيب، تأثير فيروس كورونا على العلاقة الزوجية، قائلةً:

https://youtu.be/O83nAygt22k

وبصرف النظرف عن اختلاف آراء الناس، إلا أن العالم سيكون مختلفاً، فقد اضطر الناس إلى وضع الحواجز بين علاقاتهم الاجتماعية وتغير نمط حياتهم بشكلٍ من الأشكال. والعالم سيشهد تغيراتٍ على نطاقٍ أوسع، فأزمة الفيروس شكلت ضغطاً كبيراً على أنظمة دول العالم. ولكن بالوقت ذاته قد تعزز مناعة الناس وقدرتها على الصمود، وتدفعهم إلى تطوير حلول جديدة ومبتكرة، من خلال تعلمهم دروساً جديدة وتغيير طريقة عملهم وحياتهم. مما يعطي الناس دافعاً لبناء عالمٍ أفضل، كما حدث بعد الأزمات العالمية الكبرى.

ولمزيد من التفاصيل تستضيف الصحفية، رزان محمد، الأنثروبولوجية، فرحوائل، في مقابلة على بودكاست مقاطعات. وسنتعرف من خلاله على أمثلة من التاريخ ومدى تغير سلوك وردات فعل البشر بعد إنتهاء بعض الأوبئة:

https://youtu.be/QB2DrB0jjXo

بودكاست مقاطعات

هنا رزان محمد من بودكاست مقاطعات، بودكاست بيعكس اسمه سواء مقاطعات فكرية شخصية أو حتى جغرافية، مقاطعات كلمة بتحمل أكثر من معنى وجميع هذه المعاني تجدونها هنا…

الحلقة الأولى| من أنا وماذا أريد؟

الحلقة الثانية| لماذا نحن إلى الماضي؟

الحلقة الثالثة| الخرافات الشعبية

بريد الليل رواية أصحاب الرسائل الضائعة

بريد الليل رواية للروائية اللبنانية هدى بركات. صدرت الرواية لأوّل مرة في العام 2018 عن دار الآداب للنشر والتوزيع في بيروت. وبالرغم عن رفض بركات الترشح، حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019، المعروفة باسم “جائزة بوكر العربية”.

تدور أحداث رواية بريد الليل حول مجموعة من خمس رسائل لا نعرف أسماء كتابها، شخصياتها ولا مواقع كتابتها الجغرافية. شخوص الخمس رسائل لا يعرفون بعضهم البعض لكن رسائلهم تقع بين أيدي بعضهم واحدة تلو الأخرى بمحض الصدف حسب سياق الرواية. مما يجعل الشخص الذي وجد الرسالة محاولة تفسير ما يقرأه من ثم البدء في حكاية قصته في شكل رسالة أيضا. وتقع هذه الرسالة في يد الشخصية التي تليها. تتنوع أهداف وشخوص الرسائل فهناك من يكتب لحبيبته، وهناك من تكتب لأخيها. ما يشترك بين جميع كتاب الرسائل هي الإحساس بالوحدة، الألم، الغربة، وذلك لأن جميع الشخصيات، عرب مهاجرين عن أوطانهم الأصلية، مهمشين بصورة أو أخرى، وهاربين من شيء معين. الرسالة التي تقع في يد الشخص الآخر تحرك شيء ما داخله وتدفعه لكتابة رسالته الخاصة.  

تنقسم الرواية إلى ثلاث أجزاء مختلفة، الجزء الأول “خلف النافذة” وهو الجزء الأكبر من الرواية حيث يضم الخمس رسائل، والجزء الثاني وهو “في المطار” والثالث ” موت البوسطجي” وفي تلك الأجزاء تنعكس بعض صلات الترابط بين شخوص الشخصيات وأيضا الأطراف المرسلة إليها الرسائل التي لم تصل يوما. مما يجعل القارئ قادر على رؤية الأحداث الأطراف بصورة أوضح.  

فالرسالة الأولى تدور حول رجل يكتب لحبيبته وخلال الرسالة يبوح بمشاعره لها، لكنه يترجل بين ماضيه وحاضره أيضا وخلال سرده يشعر أن هناك من يراقبه من خلف النافذة بصورة مستمرة. فتنتهي رسالته بأنه يقرر الذهاب إلى الشخص الذي يراقبه ولا يعود لينهي الرسالة ولا نعرف مصيره. وتجد صاحبة الرسالة الثانية الرسالة الأولى صدفة في دفتر الهاتف في فندق قديم نزلت فيه لمقابلة حبيب قديم.  

وصف الرواية على خلف غلافها ” حكايات أصحاب الرسائل، التي كتبوهاوضاعت مثلهم في البحر. لكنّها تستدعي رسائلَ أخرى، تتقاطع مثل مصائرهؤلاء الغرباء. هم المهاجرون، أو المهجّرون، أو المنفيُّون المشرَّدون، يتامىبلدانهم التي كسرتها الأيَّامُ فأحالت حيواتِهم إلى لعبة “بازل”.  “ليس في هذهالرواية من يقين. ليس مَن قَتَلَ مجرمًا، ولا المومسُ عاهرةً. إنّها، كما زمننا، منطقةالشكّ الكبير، والالتباس، وامِّحاء الحدود… وضياع الأمكنة والبيوت الأولى”.  

علاقتي مع الرواية لا تقتصر على مجرد رواية قرأتها وأكتب عنها مراجعة نظراً لمقابلتي لهدى بركات في مهرجان طيران الإمارات للآداب في جلسة حوارية عنالرواية قبل بدئي في قرائتها. وكشخص مغترب طيلة حياته مثلي ومثلها جعلنيأشعر بأن الرواية سوف تتحدث معي شخصيا بصورة أو أخرى. فكما قالتبركات “يُتم الوطن يخلف في غالبة الوقت مرارة  تجعلك تكره الوطن وتتساءللماذا لا يحتضنني”. 

فرواية بريد الليل ذات المئة وستة وعشرين صفحة، والتي لا تعتبرها هدى بركات من أدب الرسائل رغم محورة مضمونها حول الرسائل ولا تعتبرها “نوفيلا” أو مجموعة قصصية. في رأي الشخصي هي رواية عابرة للمواقع الجغرافية والتعاريف. عابرة لأهمية المكان ومعلومات الشخصيات. فالقارئ عندما يقرأ بريد الليل لا يحتاج أن يعرف هوية الشخصيات لأن المعنى والرموز أكبر وأشمل. ولأن المشاعر والظروف المسردة تجعل القارئ يشعر بالألفة تجاه هذه الظروف من مشاعر فقد، اغتراب، صراع الهوية والبحث عن الأوطان، والهروب والبحث عن الذات في نفس الوقت.  

وبالرغم من قصر الرواية إلى أنني أخذت وقت في الانتهاء منها. البعض يرجع  ذلك إلى أن الرواية غير حماسية وهادئة السرد أو غير مثيرة للاهتمام أو أنها متحيزة ضد العالم العربي وما يسببه من أسى لدرجة أن يصبح طارد لأبناء جلدته. إلا أنني أرجع ذلك إلى ارتباطي بكثير من الأحداث والمعاني وربما القليل من الشعور بالضياع خلال القراءة. ولم أشعر أن هذا الشيء يقلل من قيمة وحقيقة الرواية، حيث بعض من الشعور بالضياع أو حتى ببعض الملل، يمكن أن يكون جزء من الشعور الذي يصاحب حقيقة شعور النص نفسه . 

أيضا الرواية واجهت عدة انتقادات وانقسم قرائها إلى فريقين خصوصا عقب حصولها على جائزة البوكر. بعض الانتقادات أن الرواية تحمل الكثير من الفجاجة و الإيحاءات الجنسية. إلا أنني أرى أننا تعودنا على قمع حقيقة أن الجنس جزء لا يتجزأ من واقعنا على عدة مقاييس. وأن مقدار الإيحاءات الجنسية يتماشى بشكل مناسب مع فكرة أن جميع الشخصيات يتمتعوا بقدر من التحرر نسبة لاغترابهم مثلا. 

اقتباسات: 

“أفكّر أحيانًا في الرسائل التي لا تصل إلى أصحابها والتي تتكدّس في مكان ما لا يعرف مُرسلها ما حلّ بها تتكدّس الأوراق الميّتة في زوايا الشوارع الفارغة. وربّما باتوا يحرقونها الآن فالناس صاروا يعرفون أن لا أمل في وصول رسائلهم، وربّما ماعادوا يكتبون أصلًا”

“أنا حزين فعلا، إذ أكتب إليك عن ترددي، عن رواحي ومجيئي بين راحةالتخلص منك ومأساة خسارتك وفشلنا معاً”.«حين ضربتك أول مرة، وأسرعت إلى احتضاني، عرفت أن خلاصي منكسيكون أصعب مما توقعت. قلت لك في اليوم التالي، معتذرًا، إني لا أعرف ماذاتريدين مني، فأجبت دامعة بأنك لا تريدين شيئًا البتة. البتة؟ ولو؟! لا شيءالبتة؟ لماذا تبدين، إذن، كمن يحمل وعاء فارغًا يدور به من حولي وأنا أجهل ماعساي أملأه به».

فيروس كورونا والإشاعات إلى أين؟  

انتشر فيروس كورونا (كوفيد١٩) انتشارًا كارثيًّا في جميع أرجاء العالم؛ ومحاذاةً مع هذا الانتشار الواسع انتشرت العديد من الأخبار الكاذبة التي تضر بحياة البشر. وبينما حذرت جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين من خطورة إنتاج ونشر الإشاعات الكاذبة التي تهدد أمن واستقرار المجتمع عبرصحيفة البيان. اختلفت مصادر الإشاعات المنشورة سواء مواقع التواصل الإجتماعي، وسائل الإعلام التقليدية، أو حتى تصريحات قادة ورؤساء دول.

مثلما نشرت مؤثرة التواصل الإجتماعي فاطمة المؤمن فيديو تشرح فيه أن شرب الماء كل خمسة عشر دقيقة يحمي من فيروس كورونا. وزعمت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، في تقرير أن ڤيروس كورونا صُنّع في معهد ووهان للأبحاث الوبائية والفيروسات في الصين، وصممّ كسلاح بيولوجي لتدمير العالم. بينما صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن فيروس كوفيد ١٩ مجرد إنفلونزا سوف تزول مع دخول فصل الصيف وجوه الحار.

وعلى إثر هذا الصدد تنشر منظمة الصحة العالمية بصورة دورية أحدث تطورات الفيروس التي تنفي الكثير من الأخبار الكاذبة، مثل عدم اكتشاف لقاح علاجي للمرض، أو معرفة مصدره بصورة قاطعة. وتشدد المنظمة على اتباع الإجراءات الوقائية والاحترازية من الفيروس كغسل اليدين وعدم لمس الوجه. وبدأت عدة حكومات وجهات مثل موقع فيسبوك في العمل على الحد من الإشاعات وسرعة انتشارها عبر الأسافير والأفراد.