هل ينصت أحد ؟

شعور العزله والانغلاق الذي يصيبك بعد عدة مرات من الحوارات التي حالت دون استماع، ذاك الشعور أن لا أحد يشعر بك او يفهم ما تريد إيصاله! ،أن مشاعرك لابد أن تتحرر لكنك لا تجد مستمع جيد،لا تقلق فأنت ليس الوحيد في هذا العالم !، يقال أن نصف الكره الأرضيه تشتكي من أن النصف الآخر لا يستمع وإذا سألنا النصف الآخر سوف نجد نفس الإجابة ،وأن تكون مستمع جيد لا يعني ذلك أنه يجب عليك إسداء نصائح او حتى الرد، أحيانا يكون السكوت اجابة كافيه اذا كانت جميع حواسك مع الطرف الآخر تشاركه الشعور وتجعله يحس بالاطمئنان.

12910889_10201414321317443_1109135614_n

المشكلة تكمن في جوانب كثيره من احاديثنا، طريقة تلّقينا للحديث ، قلة معرفتنا بأهمية الاستماع وكيفيته، فنحن في الحقيقة نسمع ونفهم ما نريد من احاديث الناس، على الاقل يجب الاعتراف بذلك و أننا نعري الاهتمام ونستمع بشغف فقط عندما يهمنا الأمر. و من مظاهر عدم الاستماع أن أغلب مشاكل الازواج بسبب أن كل طرف من العلاقه لا يستمع ويأخذ موقف عدائي في الإجابة فتجد الزوجة مثلا تقول يجب عليك اللعب مع ابننا أكثر وكل ما يفهمه الزوج أنها تقول له انك لست اب جيد، هي أخطئت في الأسلوب لأن دائما الجمل التي تبدأ ب يجب تحول الى عدم الاستماع وفهمها بطريقه عدائية مُحبِطه وهو أخطأ عندما أخذ موقف دفاعي في رده ، مؤكد في يوم من الايام أطريت ومدحت احد بالذات اذا كان قريب منك او شريك حياتك في شيء ووجدت انه انزعج او شعر انك تسخر منه فمثلا عندما تمدح قوام امرأة وهي تشعر في قرارة نفسها انها يجب عليها خسارة بعض الوزن في الأغلب لن تفهم المديح بصورته الصحيحه الكاملة فنظرتنا لأنفسنا أكثر أهمية وتأثيرا من نظرة الناس إلينا لكن ما لم ننتبه إليه ان نظرتنا لأنفسنا تتأثر حقا بما يبدونه الناس إلينا ويشعرونا به الأمر يبدأ صغيرا الى أن ينحرف في العقل الباطن ، أو عندما تحكي لصديق عن انك مازلت متردد في اختيار التخصص الجامعي و سوف تغير اختيارك الاخير أيضا فتكون الأجابه افعل ما يحلو لك أو أنا قلت لك رأيي في هذا الشأن وارى أن ذاك التخصص أنسب لك، لكنه لم يفهم أنك عندما اتيت له كان كل ما تريده أن تفصح عن مدى سوء شعور التشتت فأنت بالكاد تعلم أن الخيار بيدك ولا تحتاج احد لقول ذلك .

ناهيك أيضا عن اسلوب و ” وأنا أيضا” فيأتي الشخص يحكي عن معاناته مع المرض او مشاكله الأسريه أو أي حدث وشعور فتجد المستمع قبيل حتى أن تنتهي من حديثك يبدأ ب أنا أيضا ويتحول الحديث عنه ، ربما نيته صافيه ويريد أن يشعرك أنك لست الوحيد الذي يحصل معه هذا الشيء او حتى مجرد انجراف حماسي مع الحديث، لكنه لم ينتبه أن الحديث ليس عنه وأن تصغير معاناة شخص حتى يشعر بشعور أفضل لن يصغّر او يقلل حقا من مدى حجم الأمر

12910756_10201402566384048_1978195434_n-1.

فقدان الاستماع يؤدي الى كبت المشاعر وقلة الحديث عن المشاكل التي تواجهنا، الاحزان والاسى وحتى مشاعر الفرح ، يحولنا الى أشخاص غير قادرين على البوح، مشككين بصدق مشاعر اهتمام الناس إتجاهنا ، محبطين نحاول عزل دواخلنا، فلا ننسى ان عندما نحاط بأُناس يعيون بما يختلج في صدورنا ويفهموا ذاتنا ويستمعو لنا نحس بالتقدير ونكون مقبلين على الحياة

جزء من أفكار كتاب “

هل تنصت حقا ؟ – ماري أي . سيجيل / بول جيه . دونوجي .

Are You Really Listening? by Mary E. Siegel and Paul J. Donoghue”


الغريب – ألبير كاميُ

لحُسن حظي قرأت رواية الغريب عندما كنت في الرابعة عشر من عمري و حتى هذه الليلة قرأتها ثلاث مرات وفي كل مره عقلي يستوعب فكرة ومغزى الرواية بصورة أعمق، لكن الإبداع يكمن في انني لم أجد صعوبه في قرآتها في هذا السن ربما لم اصل لعمق الفكره لكني استمتعت بها ووجدتها خلقت في عقلي بعض التساؤلات ، هذه الروايه الفائزة بجائزة نوبل للآداب تبدأ بجملة غريبه وعاديه ومليئة بالمشاعر التي تجعلك تستغرب بما سيأتي في باقي الروايه

١٤٣٧٠٦٠٢-١٥٢٧٢٧.jpg

ماتت أمي اليوم . وربما أمس ، لا أدري ! “هكذا ابتدأت تلك الرواية القليلة الأوراق، بسيطة وسهلة السرد ، ذات العمق الفلسفي “الغريب” ، وربما هذه البداية الغريبه تنهل علينا مدى لامبالاة وعبثية هذه الشخصيه، فكل الجزء الاول المختص بحادثة وفاة والدته لم يتطرق كثيراً عن مشاعره او اظهر حزنه وتأثره بما أصابه، فجميع الاحداث اخذها بنفس التروي وعدم الانفعال والسطحية فأشعرنا بمدى انزعاجه من حرارة الشمس ،ومدى انزعاجه من بكاء صديقة والدته المزعج ، و رده لصديقته ماري ورئيسه أن وفاة امه ليس خطئه ،لكن لم نشعر بأي مشاعر عميقه وقوية فكان كل رأيه أنه “امر لابد من حدوثه يوما ما” فأمر الغريب ليس انه لا يحب امه او لا يعي لأمرها إنما هو واقعي وليس من النوع الذي ينجرف بمشاعره .
وبعيدا عن ميرسول”الغريب” فهناك قصه جاره العجوز وكلبه هما الاثنان منذ ثمان أعوام لا يفترقا علاقتهما مليئة بسباب وانزعاج العجوز وزمجرت الكلب لكن في اليوم الذي فقد العجوز الكلب بدا عليه كل الاضطراب والتوتر فهم أصبحا كائن واحد وبغض النظر عن سوء تعامل العجوز مع الكلب وجد نفسه باكياً عند فقدانه فهو تعود على هذه العلاقه وما اغلب العلاقات غير التعود، تتوالى الاحداث فنعرف شخصية ميرسول أكثر فهو شخص ذو حياة رتيبه لا يحاول أن يقحم نفسه في شئون الآخرين ولا يأخذ انطباع أو فكره عن أحد بدون التعامل معه فهو شخصيه صريحة بعيدة عن المشاكل ، وربما البعض يراه بلا مشاعر فمثلا إجابته “هذا امر لا يهم” عندما سألته ماري عما اذا كان يحبها او يريد الزواج بها، وفي رأيي هذه اجابة تنم عن بعض اللامبالاة ولكن على الأقل لا يوهم أحد بغير الحقيقة.
تتسارع الاحداث بعدما قَبِل ميرسول دعوة صديقه لقضاء يوم على البلاج فتعاقبت من السباحه لملاحقة الشبان العرب أعداء صديقه حتى وجد نفسه يطلق خمس طلقات من المسدس على الشاب العربي وتبدأ إجراءات القضاء وكل ما ذكرناه من شخصية الغريب وردة فعله اتجاه الامور سوف ينعكس سلبا على موقفه القضائي في القضيه فهو الان قاتل لا يشعر بالذنب وليس لديه اجابة لماذا لم يظهر عليه التأثر عند وفاة والدته والأكثر غرابة بالنسبة له انه وحد القضاء مهتمه بشخصيته اكثر من جريمة القتل فهي تثير الشكوك وبرغم ذلك لم يكن يشعر بمدى خطورة الوضع على حياته ومازال يضع جل اهتمامه على التفاصيل والماديات من حوله ،ثم يدخل السجن ويجد نفسه ممنوع من اشياء كثيره بدافع العقاب لكنه تقبل الأمر كعادته وتعود وكما يقول دوستويفسكي ” ان الانسان يعتاد كل شيء يا له من حقير ”
كان موقف ميرسول نفسه اللامبالي بعدما تم نطق حكم إعدامه فهناك مشاعر كثيره و ردات فعل اقل الا تعامله الاخير مع الكاهن وإفراغ كل ما بداخله من احاديث ومشاعر عبر ضربه والصراخ عليه ، تم الكتاب والغريب بنفس غرابته ، ويجب ذكر ان اسلوب سرد الكتاب البسيط السهل هو الذي سهّل وصول الفكره فلو كان البير كامو استعمل مفردات اصعب وأعمق لكان من الصعب على الناس ادراك العمق الفلسفي الذي بداخله.