في ظل كورونا: إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي

بينما يتزايد اجتياح فيروس كورونا كوفيد ١٩ العالم، يتخبط الاقتصاد العالمي أمام مواجهته بصورة كبيرة، حيث يشير تقرير الأمم المتحدة أن فيروس كوفيد ١٩ “تسبب حتى الآن في انخفاض يقدر بنحو 50 مليار دولار أمريكي” في التجارة بين الدول”. بالإضافة “قالت رئيسة قسم التجارة الدولية والسلع التابعة للأونكتاد، باميلا كوك-هاميلتون، إن من بين الاقتصادات الأكثر تضررا مناطق مثل الاتحاد الأوروبي (15.5 مليار دولار) والولايات المتحدة (5.8 مليار دولار) واليابان (5.2 مليار دولار)”. ولم يقتصر الضرر على عالم التجارة العالمية بل طال مجالاتٍ عدة ووضعت حياة الأفراد والمنشآت المالية على المحك.

لا مجال لتعافي عالم السياحة في ٢٠٢٠

تسبب فيروس كوفيد١٩في أشبه ما يعد تدمير عالم السياحة، حيث قال المستشار السياحي وصاحب مبادرة زوروا السودان أمجد محمد،”لا مجال لتعافي عالم السياحة في ٢٠٢٠”. ويضيف محمد أن “الحياة متوقفه والعالم يعيش عزلة تامة. لاحجوزات طيران، ولا مجال للتجمعات بجميع أشكالها. ويقول محمد “وما يزيد من عمق المشكلة أن الفيروس اجتاح دولة الصين وهي التي يعد مواطنيها سياح بدرجة أولى. فمثلا في عام 2018، قام السياح الصينيون بأكثر من 53 مليون رحلة إلى أجزاء أخرى في آسيا فقط ناهيك عن وجهات باقي العالم. بينما اجتاح أيضاً دولة كإيطاليا وهي التي تعتمد بصورة كبيرة في اقتصادها على السياحة والثقافة.

وتقول الأرقام إن “قطاع السياحة يستعد لخسائر قد تصل إلى 75 مليار دولار بسبب فيروس كورونا” بحسب محطة cnn عربية. وبحسب تقرير منظمة السياحة العالمية أن “خسائر السياحة الأوروبية حتى الآن 2 مليار يورو، والخسائر مستمرة بمعدل مليار يورو شهريًا تقريبًا، بالإضافة إلى خسائر قطاع الطيران التي بلغت حوالى 30 مليار دولار أمريكي.

الأمان الوظيفي ورعب البطالة

هدد فيروس كوفيد١٩ الأمان الوظيفي للكثير من الأفراد حول العالم في مختلف المجالات. ويقول اقتصاديون بحسب تقرير صحيفة الواشنطن بوست ” أكثر من مليون موظف قد يخسرون وظائفهم في الولايات المتحدة فقط دون غيرها من الدول”. وفِي الجهة الأخرى من العالم يتألم موظفي مدينة دبي في عدة مجالات رائدة كالسياحة والترفيه وتنظيم المناسبات والمؤتمرات والعقارات.

فتقول مديرة الموارد البشرية في شركة تيب فاكتور الترفيهية ماريا محمد، “لم نستطيع دفع رواتب موظفّينا كاملة لشهر آذار (مارس) الحالي” وتم إلغاء جميع حجوزات المناسبات حتى نهاية شهر آيار(مايو) القادم حتى الآن، مما يجعل موظفينا تحت خطر أكبر. وتقول مسؤولة التنظيم في مسرح الإمارات مول أية عادل، جميعنا في الشركة المسؤولة عن مسرح الإمارات مول نعمل بعقود عمل حرة فالبتالي لا رواتب بعد منتصف شهر آذار (مارس) الحالي، إلى أجلٍ غير مسمى.

ويقول المحلل المالي والخبير في صناعة الخدمات المالية عمرو زكريا عبدو، “ما يختلف في أزمة فيروس كوفيد١٩ أنها أزمة طالت مستوى الأفراد وعرقلة أمان حياتهم”. وأضاف عبدو”وذلك يختلف مثلا عن الأزمات السابقة كأزمة ٢٠٠٨ والتي تعد أكبر أزمة اقتصادية عالمية بعد أزمة الإكتئاب العظيم ١٩٢٩، أنها طالت المجال المالي والمصرفي بالأخص”.

مصائب قوم عند قوم فوائد

يذكر أن بينما يدخل العالم والعديد من المجالات في حالة من نوبة الهلع ومشارف أزمة عالمية جديدة. يوجد من هم مستفيدين من فيروس كوفيد١٩ ماليًا بصورة ضخمة. فبعدما ضربت الكورونا البيروقراطية في مقتل، مازالت ترتفع أسهم شركات الاتصال المرئي والإجتماعات الإفتراضية بنسب عالية. فارتفع سهم شركة زوم للاتصال المرئي والاجتماعات بنسبة ٥٠٪ وارتفع عدد مستخدميه بنسبة ٢ مليون مشترك حتى الآن.

وازدهرت التجارة الإلكترونية نظرًا للعزل المنزلي الذي يعيشه العالم وإغلاق مرافق التسوق، في ذات الأثناء التي يخسر موظفين أشغالهم. حسب الموقع الرسمي لموقع أمازون للتسوق الإلكتروني، يعمل أمازون في العمل على توظيف مئة ألف موظف جديد نظرًا للطلب العالي. وأيضاً زاد العزل المنزلي من أسهم منتجي الأفلام والمسلسلات الإسفيرية مثل نتلفكس وأمازون برايم وأبل تي ڤي، فحتى الآن يشهد سهم نتفلكس وحيدًا ٢٠٪. ناهيك عن مجال الكمامات الطبية مثلا، فبحسب شركة 3m الرائدة في تصنيع الكمامات، زاد إنتاجها اليومي من ١٠ مليون كمامة إلى مئة وعشرة كمامة.

متى يكون الآخرون جحيماً

إلى أي مدى يؤثر عمق علاقتنا بأشخاص في حياتنا على ذواتنا، وقراراتنا، صحتنا النفسية ونظرتنا لأنفسنا؟. فيقول جان بول سارتر “الآخرون هم الجحيم” وهي إقتباس من مسرحيته (لا مهرب) التي تدور أحداثها حول أشخاص اضطروا إلى المكوث في حجرة صغيرة تسمى الجحيم إلى أن توّصلوا أن الجحيم هو الناس وأن الحل هو العزلة. لكن هل يحمّل هذا الاقتباس قدرًا من الصحة؟ 

لتقريب فكرة العزلة المبتغاة من قبل سارتر وكيف يمكن للآخرين أن يكونوا جحيمًا. من الممكن أن نستذكر ما كتبه الكاتب والفيلسوف الوجودي ألبير كامو روايته الغريب. وهي عن شخصية مرسول الذي كان يفضّل العزلة وعدم التعامل مع الكثير من الأشخاص في حياته. فمرسول الذي كان يشعر بالاستياء من أشعة الشمس، ومن يتحدث كثيراً فوق رأسه. وهو الذي كان يحاول أن ينشغل بأحواله الخاصة. بمجرد بدئه في التعامل مع البعض وصنع صداقات وجد أنه يقع في مشكلة تلي الأخرى. آخرها اضطراره إلى قتل أحدهم عندما خرج عن طوره و دافع عن نفسه. فيجد نفسه يعاقب على فعله بالإعدام لذنب اقترفه لكن لم يكن يعنيه بصورة حقيقية. 

لكن هل فعلاً الآخرون هم الجحيم؟ ومن هم الآخرون؟ وكيف يمكننا تحديد هويتهم؟ وهل الآخرون هم من تسببوا في إعدام مرسول؟ جميع هذه الأسئلة تدور حول هذه الفكرة دون الإجابة عليها. وفِي الحقيقة كلما أفكر فيها أتذكر ماذا قال عبدالوهاب مطاوع في كتابه (صديقي لا تأكل نفسك) عن قصة القنافذ. والتي بالفعل تشرح حدود الآخرين كي لا يكونوا جحيمًا. فيحكي مطاوع،  عن أن قصة قديمة رواها أحد الأدباء عن مجموعة من ” القنافذ ” أشتد بها البرد ذات ليلة من ليالي الشتاء فاقتربت من بعضها وتلاصقت طلبا للدفء والأمان، فآذتها أشواكها فأسرعت تبتعد عن بعضها ففقدت الدفء و الأمان. فعادت للاقتراب من جديد بشكل يحقق لها الدفء و يحميها في نفس الوقت من أشواك الآخرين، ويحمي الآخرين من أشواكها .. فاقتربت و لم تقترب .. و ابتعدت و لم تبتعد .. و هكذا حلت مشكلتها”. 

ففي الحقيقة الآخرين، ضرورة، وإضافة، وقوة، لابد من وجودهم. لكن تتلّخص علاقتنا بهم بتحديد حدود هذه العلاقة وتحديد مدى قرب علاقتنا أيضًا بالذين نريد القرب منهم، فنحن أيضاً يمكن أن نصبح جحيمًا للآخرين على حد السواء. وعلى الجانب الآخر، يمكن للآخرين أن يكونوا جحيماً لنا، عندما نصبح نرى حقيقة أنفسنا وقيمتها من خلال نظرة وقبول الناس لنا. فتارة نشعر بأنه يمكننا الإنتماء وتارة أخرى نشعر بأننا منبوذين. فتصبح غايتنا إرضاء وتحسين صورتنا عند الآخرين كي نشعر بوجودنا ومدى استحقاقنا لذلك الوجود. كي نشعر بأننا أفضل ونستحق الظهور والتقدير. ناسيين بذلك أن إرضاء الناس غاية لا تدرك إن شئنا أم أبينا