لا أحد يرثي قطط المدينة

“لا أحد يرثي لقطط المدينة” هو عنوان لافت للنظر ومثير للاهتمام، يحمل خلفه مجموعة قصصية لكاتب السيناريو المصري الشاب محمد الحاج كتجربته الأدبية الأولى. وفازت المجموعة القصصية ذات المئة وستون صفحة، والصادرة عن دار التنوير في ٢٠١٨ بجائزة ساويرس لأفضل عمل قصصي بفئة الشباب في مطلع عام ٢٠١٩.

وتدور القصص الست المختلفة حول ستة رجال وسيدات مختلفين، إما مرتبطين أو متزوجين، يمرون بأزمات وانعطافات عاطفية على خلفية مناخ سياسي مضطرب، وذلك لأن المجموعة القصصية كتبت في الربع الأخير من ٢٠١٣، وهو التوقيت الذي عُزل فيه الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وفُض فيه اعتصام رابعة العدوية مما أسفر عن قتل مئات المؤيدين لحكم مرسي.

تُلخص المجموعة على غلافها الخلفي بـ “ست قصص، ست علاقات تجري في قاهرة ما بعد صيف ٢٠١٣، باحثة عن مستقر لقلقها. ولا سبيل إلا بالاتكاء على الذات والمغامرة باحتضان الوحدة، أو الأمل العسير”. فالقصة الأولى “يوم مع تونة” تدور حول توقعات طارق لفقدانه وظيفته من قبل مديرة وصديقة، واتصاله بأم طليقته تونة بالخطأ فينتهي الأمر إلى قبوله لدعوة عشاء في منزلها. تعكس القصة اضطراب وحنين طارق بين رغبته في لقاء طليقته وكبح تلك الرغبة والتغاضي عنها، حيث يحكي طارق عن علاقته بفاطمة وسبب انفصاله عنها قائلاً: “قلق فاطمة الوجودي كان أكبر من علاقتنا، انفصلنا حين أدركت أن أسئلتها أكبر مما توفره حياتنا المشتركة من إجابات”.  

بينما تدور قصة “هنا وهناك” حول عائشة التي تعاني من الوحدة والفراغ الداخلي بعد الطلاق، فتشرع إلى تجربة تطبيق “تندر” للتعارف والمواعدة، فإذا بها تتعرف على عمر، وتنشأ بينهما علاقة تقوم على الجنس دون أن تعرف تفاصيل حياته، فنرى تأرجح عائشة بين رغبتها في معرفة المزيد عن عمر والارتباط العاطفي به، وبين خوفها من الرفض والذكورية. اقتباسا من القصة «كانت تمر أحياناً من تحت بيته في طريقها للخروج من المعادي أو في طريقها للعودة إليها فيخطر لها أن تصعد بلا تحذير لتطلع إلى ذلك المكان الذي لم تدع إليه أبداً».  

وفي قصة “الثلاثاء ٢ الظهر” نرى النوستالجيا التي تجتاح سناء التي تعود إلى شقة طليقها بهدف لملمة أغراضها. تحكي سناء عن مشاعر الكآبة التي تعيشها مع والدتها عقب الطلاق، وتحكي بحزن عن عدم تحمل زواجها فشل الثورة ففشل معها وآمالها في إصلاحه، ومن ثم يتفاجئ القارئ بتفاصيل العلاقة والانفصال ومدى احتمالية نجاحه من البداية.

اختتم الحاج المجموعة بقصة تحمل عنوان المجموعة القصصية “لا أحد يرثي لقطط المدينة”، وكان بطلها حازم الذي يعاني من آثار الانفصال والثورة واعتقالات ما بعدها لأصدقائه، وثقل القاهرة على شبابها، وتأرجحه بين الاحتفاظ بشعور الأمان الذي وجده مع دلال أم تركها تسافر إلى نيويورك بعد عدة أيام. تتواجد القطط في القصة كما ينص العنوان إشارة إلى مدى عدم اكتراث الناس بالقطط، وقد يرى أن هذا التعبير رمزي، حيث جسد الحاج معاناة الشباب في القاهرة عبر الشخصيات المذكورة وعبر القطط أيضاً.

وتُعتبر لغة الحاج سينيمائية بامتياز، فيشعر القارئ بمتعة المُشاهد أثناء القراءة، وتتميز القصص بجمل قصيرة، وحوارات عامية وفصحى، ووصف دقيق مناسب السرعة. لا يشعر القارئ ببطئ الأحداث أو سرعتها، فقط يعيش النص كما لو أنه يراه أمامه. وما بعد النص المقروء خفيف الثقل، يترك الحاج القارئ أمام تساؤلات وتجليات حول الوطن، ومشاعر الوحدة، والفترات الانتقالية، وتأثير الأماكن والشخوص على الإنسان وحاجته إليهما أيضاً. ونجد أن الحاج برع في توظيف مشاعر الإحباط والتخبط والانكسارات، وأمل الاستمرار في خضم أوضاع سياسية حرجة ومتأججة وقمعية من منظور ثوار أو أفراد مزامنين الثورة، وذلك من خلال قصص ذات شخوص عاديين، يمكن أن يكونوا أنت أو أحد تعرفه.  

مستوى المجموعة جدير بالإشادة إلا أن قصتين من الست قصص لم يكونا بذات المستوى وهما: «أشياء لا تحدث إلا في مترو منتصف الليل» و«واحدة بواحدة»، ويعود ذلك في قصة “أشياء لا تحدث إلا في المترو منتصف الليل” إلى قصر القصة قبل الاندماج في الأحداث. بالإضافة إلى ذلك، يستمتع القارئ الذي يعلم شوارع القاهرة وأحياءها بتفاصيل وصف الأمكنة والأحياء في هذه المجموعة أكثر ممن يجهلها، ولكن في النهاية تُسهل اللغة السينمائية تخيل جميع الأحداث.

اقتباسات

“لطالما أحببت كيف تمطر في القاهرة، فى مدينة حارة تدعى القاهرة لم يكن بوسعي التفكير فى المطر سوى أن السماء تدمع أسفا علينا نحن سكان هذه المدينة المحزونة”.

“الحياة مؤسفة عمومًا”.

“لاشيء كفيل بجعل الحب مدهشاً غير الحب”

“قلق فاطمة الوجودي كان أكبر من علاقتنا، انفصلنا حين أدركت أن أسئلتها أكبر مما توفره حياتنا المشتركة من اجابات”.

أضف تعليق